في إطار سعيه المتواصل للتحذير من الخطر المحدق بمستقبل المياه حول العالم والعواقب المترتبة على شح المياه على الأجيال المقبلة، يشارك رئيس مجلس أمناء جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للمياه الأمير خالد بن سلطان في قمة بودابست للمياه (من 8 إلى 11 تشرين أول). وتبنّى الأمير خالد بن سلطان منذ أعوام ومن قبله الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - رؤية خاصة لمستقبل المياه في المنطقة والعالم، كانت إحدى نتائجها تأسيس الأمير الراحل جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للمياه عام 2002، لدعم الجهود المميزة في مجال المحافظة على البيئة الإنسانية من خلال إبراز جهود العلماء المتخصصين في مجالات المياه. وتواصلت تحذيرات الأمير خالد بن سلطان في كل مناسبة محلية ودولية للعالم من خطر الجفاف والتصحر وشح المياه، آخرها كان مطلع العام الحالي، في كلمة له خلال افتتاحه المؤتمر الدولي الخامس للموارد المائية والبيئة الجافة عندما دق ناقوس الخطر، مطالباً بضرورة ترشيد استهلاك المياه وتغيير سلوكيات التعامل مع مصدر الحياة الإنسانية الأول. ووضع رئيس مجلس أمناء جائزة الأمير سلطان للمياه، والذي يضم مجموعة من العلماء البارزين، النقاط على الحروف عندما قال: «يجب إفهام الناس من أصغر طفل إلى أكبر شخص بأهمية المياه والمحافظة عليها»، موضحاً أن «نسبتنا تعد أكبر نسبة في هدر المياه في الجزء العربي، وأقل نسبة مياه موجودة في العالم، ولهذا يجب أن نصحح هذه النظرية، ويجب أن نكون أفضل في ترشيد المياه، لأننا في أكثر نقطة تعاني قلة المياه». وامتدت رؤية الأمير خالد تجاه قضية المياه، ليحذر أيضاً من تبعات «ارتباك المشهد السياسي في دول عربية عدة»، مؤكداً أن هذا الارتباك «له تداعياته الاقتصادية، فلا تقدم ولا ازدهار من دون استقرار ونظام». ولم يكن تشديده في المؤتمر الخامس للمياه الذي أقيم في جامعة الملك سعود على الزاوية السياسية نابعاً إلا من إدراك لعواقب الخلل في منظومة الأمن الوطني لأي بلد، «بالارتباك السياسي وشبه الانهيار الاقتصادي، تتأثر أهم مرتكزات الأمن الإنساني، وعلى الأخص رباعية الماء والغذاء والطاقة والبيئة، رباعية تمثل أهم عناصر الأمن الوطني للدولة، فمن دونها لا أمن ولا أمان ولا استقرار ولا تنمية، وهنا يبرز دور العلماء والباحثين لاقتراح ما يرونه من تخطيط وبرامج وأبحاث وإبداعات، تنقذ الدول العربية من شبحي الجوع والعطش». ويربط الأمير خالد بن سلطان نجاح مهمة الحفاظ على المياه والسيطرة على مستقبل مصدر الحياة الأول، بقيمة العمل الجماعي عندما يقول في إحدى خطاباته: «علينا أن نوجه جهودنا نحو تربية الإنسان التربية المائية الصحيحة التي أضحت واجباً ومسؤولية لكل أفراد المجتمع، فمشكلات نقص المياه وتلويثها ليست مشكلات فنية وحسب، بل معظمها لا حلّ لها من دون جهد بشري صادق، لتربية أفراد المجتمع تربية مائية صحيحة، ينتج منها سلوك مائي رشيد ينمي الوعي المائي، ويزيد المهارات والاتجاهات والسلوكيات السليمة لدى المواطنين». ويضيف بهذا الخصوص: «المجتمعات العربية تعاني غياب ثقافات عدة، أهمها ثقافة حب العمل، وثقافة الحرص على الإنتاج، وثقافة تغليب المصلحة الوطنية، وثقافة الاختلاف في الرأي، وثقافة العمل الجماعي، وثقافة حُب النظام، كذلك تعاني غياب الثقافة المائية الرشيدة، ولذلك فإن اعتناق المجتمع لثقافة قويمة، والعمل على تنفيذها، غالباً ما ينقذان الأمة من كوارث وأزمات أو تخففان منهما». وحذّر مراراً من خطر الصراع على نقطة المياه، ومن مغبة الصراع الذي ربما يطاول الموارد الأساسية الثلاثة: الطاقة والماء والغذاء، ما قد يفجر حرباً في أي لحظة تسمى حرب الموارد، فنفقات الغذاء والطاقة تتزايد في شكل غير معهود، والمياه تشح في شكل غير مسبوق لم تسلم منه دولة واحدة، من أستراليا إلى أفريقيا وحتى الولاياتالمتحدة الأميركية». ويبدو أن الخلاصة التي يريد الأمير الناشط في شؤون قضايا المياه على المستويين الإقليمي والدولي إيصالها إلى المجتمع الدولي والعربي تتمثل بقوله: «الإنسان الخاسر الأول والأخير، فالإنسان الذي يحارب التلوث بضراوة هو نفسه المتسبب فيه بإفساده لمصادره المائية واستخدامه غير الرشيد للصالح منها». هذا الحرص والتحذير الدائم من رئيس أمناء جائزة الأمير سلطان منبعه إدراكه بعواقب تفاقم ما يسميه على الدوام ب«الكارثة المائية المنتظرة»، فالعالم العربي يستورد أكثر من 300 بليون متر مكعب من المياه سنوياً في شكل مواد غذائية، وهو ما يعرف بالمياه الافتراضية، وكل المؤشرات تبين أنه إذا لم تتحرك الدول الآن، فإن كارثة الجفاف والعطش القاتل لا محالة قادمتان، كما قال في إحدى تصريحاته. ولم يفت الأمير تشديده الدائم على الاستثمار في مشاريع المياه للمستقبل، إذ أشار في إحدى خطاباته إلى بعض الدول التي تنفق كثيراً من الأموال على شراء الأسلحة، أو إقامة الاستثمارات غير الموثوقة العائد، وتتجاهل الاستثمار في توفير المياه، أو في البحث عن مصادر بديلة للمصادر التقليدية، أو تبخل في الإنفاق على البحث العلمي وتشجيع الإبداع للوصول إلى حلول بديلة فاعلة. وطالب الحكومات العربية بإعادة النظر في طرق استخدام المياه، وبخاصة في الزراعة، إذ رأى أنه «ربما يكون مفيداً عدم زراعة محاصيل بعينها». لكن على رغم ما يراه الأمير خالد بن سلطان من عوامل سلبية تهدد الأمن المائي المحلي والإقليمي والدولي، إلا أنه يرفض الوقوف متفرجاً أو أن يصاب ب«اليأس» مع أن «90 في المئة من المناطق العربية تصنف بأنها صحراوية قاحلة، ذات موارد مائية منخفضة ومحدودة، وتبخر مرتفع تصل نسبته إلى 80 في المئة، وأكثر من 50 في المئة من مياه شبه الجزيرة العربية جوفية، ونتيجة لعدم وجود أنهار في معظم الدول العربية، فإن أحواض تلك المياه تعد المصدر الرئيس بل الوحيد للمياه العذبة والمتجددة، ونتيجة للسحب الزائد من تلك الأحواض، فإن نسبة عالية جداً من مناطقها وصلت إلى حال من الاستنزاف الأقصى والملوحة العالية والتلوث العضوي وغير العضوي، ومن ثم فإن احتمال حدوث دمار كامل للطبقات الصخرية الحاملة للمياه الجوفية لم يعد مستبعداً، وقد تكون مسألة وقت قريب وليس بالبعيد». هذا التصميم الكبير النابع من استبصار للمستقبل القريب والبعيد، جعله يدعو في الاجتماع السادس لمجلس محافظي المجلس العربي للمياه بضرورة اتباع ثلاثية الحل «الإدارة والإرادة والقوة»، فضلاً عن ضرورة إتاحة الفرصة للأبحاث الجادة الهادفة، وتشجيع إبداعات الباحثين والعلماء.ويصل رئيس مجلس أمناء جائزة الأمير سلطان للمياه إلى العاصمة الهنغارية بوادبست ليلقي خلال افتتاح القمة المتخصصة في المياه كلمته، ويترأس في اليوم الثاني اجتماع مجلس أمناء الجائزة على هامش المؤتمر.