في الطابق الخامس من عمارة قائمة في شارع كريم بلقاسم في منطقة تلملي بالعاصمة الجزائر، يقع فضاء «بوكس 24» (صندوق 24) الفني المستقل. ويوفر هذا المكان الذي أسس في عام 2008 على يد مجموعة شابة من متخرّجي المدرسة العليا للفنون الجميلة في الجزائر، فرصة للفنانين الشباب للعمل على إنتاج أعمال فنية وعرضها في المدينة. كما يتيح الفرصة لتعميق العلاقة بين الفنانين الشباب باختلاف تخصصاتهم، من خلال اللقاءات والاجتماعات. أنشئ «بوكس 24» في ظل «نقص الفضاءات الفنية وورشات إنتاج الأعمال وعرضها في المدينة، وكمكان بديل من جميع الأماكن الأخرى»، كما يقول الفنان وليد عيدود، المدير الفني للمشروع والمؤسّس المشارك فيه. ويضيف أن «بوكس 24» هو «امتداد للمحترفات التي كنا نمضي فيها أسابيع كثيرة للعمل على مشاريعنا الفنية في مدرسة الفنون، والاسم مركب من اسم هذه المحترفات (بوكس) ومن قاعة للعرض اسمها 24». لا يحصل الفضاء على أي تمويل سواء من جهد مؤسِّسيه وأعضائه، «فالاستقلالية أمر مهم جداً لنا، لأننا نمول كل شيء بأنفسنا»، كما تؤكد فنانة الرسوم القصصية والعضو في «بوكس 24» ريم مختاري. يضم هذا الفضاء الرحب، عدداً متبايناً من الأعضاء الذين يختارون مدة علاقتهم بالفضاء ومداها حسب الحاجة أو ظروف العمل. وتتنوع خلفياتهم ما بين مصممي غرافيك (وليد بشوشي، سيفاكس بارس، محمد ياصف) ورسامين (أسامة تابتي، جمال عجانيا) ومصورين فوتوغرافيين (سمير إبشيش) وفناني تجهيز في الفراغ (عاطف برجم، سفيان زوقار) ومصممي أثاث (نبيلة كلاش) وغيرهم. وقد يجتمع اثنان أو ثلاثة من هذه التخصصات وغيرها في الفرد الواحد. أما فعاليات الفضاء، فتتنوّع بين تنظيم المعارض الجماعية والفردية والورشات والإقامات الفنية وتنظيم المشاركة الفنية الجزائرية السنوية في اللقاء العالمي للفن وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية (المستمر عقده منذ العام 2009). عرض الفنان أسامة تابتي في «بوكس 24»، بُعيد عودته من إقامة فنية في لندن تزامنت مع الألعاب الأولمبية في 2012، مجموعة من الرسوم اقتبس أجزاء منها من صور مشهورة من تاريخ الأولمبياد وأضاف إليها عناصر من صور أخرى هي إسقاطات على قصص وتحديات جدية يعيشها الإنسان. وتختلط تأويلات رسوم أسامة تابتي، ما بين علاقة بالرياضة وعلاقة بالعنف والتجارة والسياسة، في هذه السلسلة التي أطلق عليها اسم «أويليمبكس» (نفط الأولمبياد). ومن فناني «بوكس 24» أيضاً عاطف برجم الذي يسافر ما بين الجزائر العاصمة ومدينته عنابة (شرق الجزائر) كل ليلة مدة 12 ساعة في قطار يُجري فيه مقابلات مع المسافرين يوظفها في مشروع فني. وأنشأ الفنان موقعاً إلكترونياً يعمل كقاعدة بيانات تعرّف بالمشهد الفني في مدينة عنابة (شرق الجزائر)، ولتوفير نافذة للاطلاع على أعمال فناني المدينة الشباب الذين يتخرج معظمهم من المدرسة الجهوية للفنون الجميلة في عنابة إلى هوامش عالم الفن الذي يحدّ من تطورهم ويعرقل مشوارهم المهني. وقد عرض برجم أعماله الفنية برفقة ستّة من الفنانين الشباب من مدينة عنابة، في فضاء «بوكس 24» في أيلول (سبتمبر) الماضي، تحت عنوان «جيتي لعنابة». وتنوعت الأعمال ما بين التجهيز في الفراغ والتصوير الفوتوغرافي والرسم وغيرها من أشكال الفنون. وحضر الفنانون من عنابة لملاقاة جمهور العاصمة في «بوكس 24». وأمضى برجم أيلول في العاصمة، ضمن إقامة فنية مستقلة أخرى تحت عنوان «آريا»، أسستها الفنانة زينب صديرة في عام 2012. وتستضيف هذه التظاهرة ثلاثة فنانين أو أكثر سنوياً، لإتاحة الفرصة لتطوير مشاريع فنية مرتبطة بالسياق في الجزائر وفي إشعاع إيجابي عن غنى تجربة الإنتاج فيها، وللتواصل مع فنانين ومؤسسات محلية. ... يتناغم مع المشهد الرسمي الثقافي مثل كثير من المشاهد الفنية في المنطقة العربية التي يعوزها التنوع في المؤسسات الفنية العامة والخاصة، تقع المؤسسات الثقافية تحت ضغوط أولويات العروض والتنافس الحاد بين الأجيال، بخاصة عندما يختار أبناء الأجيال الشابة وسائط فنية وتعبيرات تبتعد عن الدراسة الأكاديمية التي تلقوها أو عن إعادة إنتاج الأشكال الرائجة من أعمال الرواد. فيتّجه الفنانون الى تأسيس فضاءات وإدارتها بأنفسهم، أو أخذ مبادرات أو دمج أعمالهم الفنية بأعمالهم المجتمعية. وبالتالي، يؤدّون أدواراً تتجاوز الإبداع الفني، في سبيل النهوض بحركة فنية شابة في المدن التي يعملون فيها. ومن بين الفضاءات النشيطة في الجزائر العاصمة أيضاً، «المتحف العمومي الوطني للفن الحديث والمعاصر» الذي يمتد على مساحة ضخمة من ثلاثة طوابق يدلف إليها من شارع العربي بن مهيدي في قلب العاصمة. افتتح المتحف في العام 2007 بعدما تحوّل المبنى الذي يزيد عمره عن مئة عام، من أسواق إلى قاعات عرض. ويتنافس فنانو الجزائر (في الداخل والخارج) على ثلاثة إلى خمسة عروض ينظمها المتحف سنوياً، بينما ستغلق أبوابه في شباط (فبراير) المقبل بهدف استكمال أعمال الترميم والتوسيع التي ستمكنه من زيادة عدد المعارض خلال السنة. ويستضيف المتحف الآن وحتى كانون الأول (ديسمبر)، معرضاً فردياً للفنان الجزائري الفرنسي جمال طاطاح، فيه أكثر من خمسين صورة فوتوغرافية التُقطت بين عامي 1986 و 201. وتذكّر بطاقة الدعوة بأن المعرض يأتي ضمن احتفالات الجزائر بالذكرى الخمسين للاستقلال. وقد اختتم في أيلول (سبتمبر) الماضي، معرض متعلق بالموضوع في المتحف الوطني للفنون الجميلة بعنوان «الرسام الجزائري وحرب التحرير»، ضم رسوماً وتصويراً ل 57 فناناً من مجموعة المتحف ومن ورشات الفنانين، غالبيتهم من الرواد، تناولت الجوانب المرتبطة بحرب تحرير الجزائر. وفي الذكرى الخمسين للاستقلال، احتفل «بوكس 24» أيضاً ببرنامج متنوع من الفعاليات والطباعة والرسم والتلوين، وعُرض تجهيز للفنان سفيان زوقار حول آلة زمن، تعرض من بروجكتور على صناديق كرتون لفيديو متعدد القنوات هو تجميعات من صور الخمسين سنة الماضية في تاريخ الجزائر. ويرى زوقار أن «التاريخ هو أداة ليفهم العالم أنه علينا تعلم العيش في الحاضر وفهم المستقبل. ماهي فائدته إن لم يكن كذلك؟».