عَكَسَ إلغاء الرئيس الأميركي باراك أوباما رحلة إلى آسيا للمشاركة في قمتين مهمتين لمصالح بلاده، عمق الأزمة التي تتخبط فيها الولاياتالمتحدة، التي دخلت يوماً رابعاً من شلل الإدارات الحكومية بسبب أزمة الموازنة وعجز الحزبين الديموقراطي والجمهوري عن التوصل إلى اتفاق حول رفع سقف الدَّيْن، لتجنّب تخلّف واشنطن عن تسديد مستحقاتها، للمرة الأولى في تاريخها. وعلى وقع أضخم أزمة تشريعية تشهدها واشنطن منذ العام 1996، فاقم المشهدَ في العاصمة الأميركية إرباكاً، مقتلُ سائقة سيارة بعد مطاردتها بين البيت الأبيض ومبنى الكونغرس، ما أدى إلى ذعر وإغلاق مبنى الكابيتول، حيث كان أعضاء الكونغرس مجتمعين لمناقشة أزمة الموازنة. وتتساءل السلطات الأميركية عن دوافع سائقة السيارة، وهي سوداء في ال34 من عمرها تُدعى مريم كاري وتعمل ممرضة طبيب أسنان، بعدما اقتحمت بسيارتها، وفيها طفلتها الرضيعة ذات السنة من العمر ولم تُصب بأذى، حاجزاً قرب البيت الأبيض، ثم توجهت إلى مبنى الكونغرس الذي يبعد نحو 3 كيلومترات. لكن الشرطة استبعدت فرضية الإرهاب، متحدثة عن «حادث معزول». ولم تؤكد الشرطة ما أُشيع عن أن المرأة من أصل صومالي، فيما أعلن مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) أنه يحقق في أصولها. أما والدة المرأة، فذكرت أن ابنتها كانت تعاني حالة اكتئاب ما بعد الولادة وأُدخلت مستشفى. في غضون ذلك، أعلن رئيس مجلس النواب جون باينر، وهو جمهوري، أن المجلس لن يصوّت على مشروع قانون الموازنة من دون شروط لإنهاء أزمة شلّ الحكومة، وطلب خفضاً في الإنفاق، في مقابل رفع سقف الدين، قبل نفاد مدته في 17 الشهر الجاري. وانتقد باينر بعد اجتماع للحزب الجمهوري، مسؤولاً في الإدارة الأميركية، أُفيد بأنه قال إن «من غير المهم» إلى متى يستمر إغلاق الحكومة الفيديرالية، لأن البيت الأبيض «يكسب» معركة الموازنة. وقال باينر: «هذه ليست لعبة، والشعب الأميركي لا يريد أن تغلق حكومته، كما لا أريد ذلك». لكن البيت الأبيض أعلن أن أوباما سيستخدم حق النقض ضد مشاريع قوانين جمهورية للإنفاق هدفها معاودة تشغيل «خدمات محددة»، وسط الشلل الحكومي. ووَرَدَ في بيان للبيت الأبيض أن «درس قوانين المخصصات المالية في هذا الشكل ليس وسيلة جدية أو مسؤولة لتشغيل حكومة الولاياتالمتحدة». وكان البيت الأبيض أعلن إلغاء أوباما زيارته اندونيسيا للمشاركة في قمة «منتدى التعاون في آسيا - المحيط الهادئ» وبروناي لحضور قمة «رابطة دول جنوب شرقي آسيا» (آسيان)، بسبب «شلل الدولة الفيديرالية الذي كان ممكناً تفاديه بالكامل، (إذ) يشكّل ضربة لقدرتنا على تأمين وظائف، من خلال الترويج لصادرات الولاياتالمتحدة وتعزيز زعامتها ومصالحها في منطقة (الدول) الناشئة الأكثر أهمية في العالم». أوباما الذي سيحل مكانه في القمتين وزير الخارجية جون كيري، كان ألغى زيارتين إلى ماليزيا والفيليبين، للسبب ذاته. واتسعت دائرة المفاوضات بين الحزبين، لتشمل سقف الدين البالغ 16.7 تريليون دولار، في محاولة من الجانبين لحصد تنازلات تمكّنهما من استرضاء قاعدتيهما. لكن الجمهوريين في موقع صعب، إذ يحمّلهم معظم الأميركيين مسؤولية الأزمة، بسبب ربطهم خطة تمويل الموازنة بقانون الضمان الصحي الذي طرحه أوباما وأُقرّ عام 2010. من هنا يحاول الرئيس الأميركي رفع سقف المفاوضات مع الجمهوريين، وانتقادهم إعلامياً في شكل لاذع، وتوظيف فشلهم في إدارة الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل. ويواجه الحزب الجمهوري انقسامات في صفوفه حول الأزمة، في ظل اعتراض نواب على نهج القيادة الجمهورية وحركة «حزب الشاي» في مجلس النواب، وإغلاق الحكومة من دون إيجاد استراتيجية واضحة ومعقولة لتسوية الأزمة. وحذرت وزارة الخزانة من «تخلّف كارثي عن تسديد» الولاياتالمتحدة مستحقاتها إذا فشل الحزبان في الاتفاق على رفع سقف الدين، منبهة إلى «احتمال تجمّد سوق القروض، وتراجع قيمة الدولار بشدة وارتفاع معدلات الفوائد الأميركية في شكل كبير، ما يؤدي إلى أزمة مالية وانكماش يذكّران بأحداث عام 2008، وربما أسوأ».