لم تهدأ وسائل الإعلام في السعودية طوال الأيام الماضية عن مناقشة الفجيعة الوطنية المتمثلة في مقتل شاب سعودي في زهرة العمر وإصابة شقيقه الذي يُعتقد أنه «متوفى إكلينيكياً» حالياً بسبب صدم مركبتهما عمداً بعد مطاردة مثيرة لهما من مركبتين تابعتين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تم تجهيزهما أو تسليحهما علانية ب «دعّامات» للاصطدام بمركبات الناس، وربما لتسهيل إرسال المواطنين إلى الآخرة عبر إسقاطهم من فوق الجسور من دون أي رادع نظامي أو شرعي. المؤسف حقاً أن كثيراً من الكتابات والتغطيات الصحافية للقضية تناولت تحليل موقف الجناة من زاوية نظامية فقط.. أي أنها حرصت على تجريم فعل «المطاردة» كونه مخالفاً لأنظمة الهيئة، في الوقت الذي انخفض فيه صوت تجريم فعل تعمد القتل «أخلاقياً ودينياً»، بمعنى أنه لو كان نظام الهيئة يسمح بمطاردة الناس فهل يصبح قتل مواطن بريء بواسطة هذه المطاردة مبرراً لعدم مخالفة القاتل للأنظمة؟ بالطبع لا، فالجريمة هي الجريمة سواء تمت في ظل الأنظمة أم في حديقتها الخلفية التي يجيد المجرمون و«اللا أخلاقيين» اللعب فيها. يجب أن يفهم كل من لم يستفق بعد أن صورة الشيخ المسن الباكي والد القتيلين التي تداولتها الصحف تحولت في أذهان السعوديين إلى أيقونة للفجيعة الوطنية ورمزاً لصرخة «البحث عن العدالة»، في الوقت الذي يخرج فيه بعض القتلة المؤجلين عبر شبكات التواصل الاجتماعي متهمين كل منتقد للجريمة بأنه «منافق» ومحارب للدين.. هكذا بكل عنجهية وصلافة وجهل يصورون الدين على أنه مجرد «موظف مسلح بدعامات». لم يعد خافياً على أحد اليوم أن أبرز هؤلاء القتلة المؤجلين محاربي المطالبة بالعدالة والاقتصاص من قتلة الشابين، ليسوا سوى «دعاة» حزبيين عرفهم الناس طوال عقود بهلوساتهم الدموية وخيانتهم للوطن باصطفافهم مع أعدائه لخدمة التنظيم والحزب، وهم الآن يصطفون جهاراً نهاراً ضد الإنسان والدين والأخلاق قبل الوطن في محاولة انتحارية للاحتفاظ بامتيازات كهنوتية يعتقدون أنها أصبحت مهددة بالزوال في مواجهة هذا الموج الهادر من كراهية الناس لهم ولمواقف وأفعال أتباعهم المندسين بين العاملين في بعض المؤسسات العامة التي يعرفها السعوديون جيداً. كتبت هنا في 3 أيلول (سبتمبر) الماضي أي قبل الفاجعة بأكثر من أسبوعين رسالة صريحة للرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبداللطيف آل الشيخ، قلت فيها إن هناك من يعملون ليل نهار لإفشال توجهاته النيّرة لتطوير جهاز الهيئة، وحذّرت من «الحرس القديم» داخل الهيئة الذي يعمل على عزل قيادة الجهاز و«خندقتها» عن كل شيء بما في ذلك الممارسات الميدانية للأعضاء، وأظن أن باستطاعته أن يسأل الآن رؤوس الحرس القديم في جهازه عن سبب تسليحهم مركبات الهيئة ب«دعامات» بعد توجيهاته بمنع المطاردة؟ لا أظن أن الإجابة ستكون ل«زبرقتها». [email protected] Hani_Dh@