تصريحات الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور «عبداللطيف آل الشيخ»، التي تحدى بها من يستطيع إثبات وقوع أية حادثة فساد في جهازه، تبدو غريبة وحادة في ذات الوقت، كونها صادرة من المسؤول الذي يُفترض فيه أن يحقق هو شخصياً في التجاوزات المحتملة في جهاز يشرف عليه في حال ورود أية معلومات عن ذلك، خصوصاً إذا علمنا أن هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» تحيل الشكاوى المقدمة ضد فروع وإدارات الوزارات المختلفة بعد جمع المعلومات إلى الوزراء المسؤولين عن تلك الإدارات، لإجراء اللازم نظامياً من خلال تطبيق العقوبات المنصوص عليها أو إحالة الملف إلى هيئة الرقابة والتحقيق. أي أن الوزير أو المشرف على أي جهاز حكومي معني بمكافحة أية عمليات فساد في جهازه بينما دور «نزاهة» يتلخص في كونها عيناً له ومعيناً على كشف أي خلل أو تجاوز يقع في الجهات المندرجة تحت مسؤوليته، وفي حال عدم تجاوبه تلجأ «نزاهة» للرفع إلى المقام السامي بملفات القضايا مع ملاحظات عما تم في شأنها، وعلى هذا الأساس كان متوقعاً من الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف ألا يُصدر حكماً مبدئياً ببراءة جميع العاملين في جهازه قبل تسلم ملفات القضايا والتحقيق فيها، والتوصل إلى نتائج نهائية، وهذه عملية لا يمكن إنجازها بين يوم وليلة. إن نفي وجود أية عملية «فساد» في هيئة الأمر بالمعروف من خلال مؤتمر صحافي قبل التحقيق فيها، ربما يُفهم كمحاولة استباقية لإبعاد وسائل الإعلام عن الملف كاملاً، وربما اعتبر ثقة زائدة ومبالغة فيها، تمنح «العصمة» لجميع العاملين في الهيئة، وكلا الأمرين غير مبررين في زمن الشفافية والمحاسبة. من المعلوم بداهة، أن «الفساد» ليس مرتبطاً فقط بالنواحي المالية، فإدانة أي عضو في الهيئة بتجاوز صلاحياته في الميدان عبر الاعتداء اللفظي أو الجسدي على شخص ما، يصنف كجريمة استغلال للسلطة الوظيفية، وهي تندرج تحت مظلة «الفساد»، ويعرف الجميع أن هناك أخطاء مماثلة تقع من بعض العاملين في الهيئة، ومن هذه الأخطاء ما تم إدانة مرتكبيها قضائياً في أوقات سابقة، أي أن التحدي بعدم وجود حادثة «فساد» في الهيئة يتبخر فوراً أمام أي مثال من هذه الأمثلة. وهنا يجدر بي أن أوضح أن ما سبق لا يعني مطلقاً التشكيك في جهود الدكتور عبداللطيف آل الشيخ الملموسة للرقي بأداء الهيئة، وتجاوز أخطاء الجهاز المتراكمة منذ أعوام، لكنه من باب العتب، خصوصاً أن هناك من يعملون ليل نهار على إفشال توجهاته النيّرة، لتطوير الهيئة عبر تصوير وسائل الإعلام كجبهات معادية ومتربصة، والدفع باتجاه خلق حال احتقان بين رئاسة الهيئة وكل وسيلة إعلامية تحاول كشف الإشكاليات، ووضعها على مكتب المسؤول لعلاجها، فالعلاقة بين أي جهاز حكومي ووسائل الإعلام علاقة تكاملية، ولذلك لا ينبغي الاستجابة لرغبات التيار الذي يوصف عادة ب«الحرس القديم» داخل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للصدام مع الإعلام، فالهدف الأخير الذي يسعى إليه هذا التيار هو «خندقة الهيئة» وكبح مساعي تطويرها، ولا أظن أن معالي الرئيس العام يجهل ذلك. [email protected] @Hani_Dh