تحظى بعض العملات في العالم بأهمية لا تتوافق مع الثقل الاقتصادي للدولة التي تصدر فيها، كما الحال مع الدولار الأميركي. فبينما يمثل الاقتصاد الأميركي، الأكبر في العالم، 22 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تبلغ حصته من التجارة العالمية نحو 10.7 في المئة فقط من إجمالي الواردات والصادرات في العالم، ويُستخدم الدولار في 36 في المئة من المدفوعات العالمية من أي نوع. وأشار كبير الاقتصاديين في شركة «آسيا للاستثمار» فرانسيسكو كينتانا في تقرير إلى أن «الوضع في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، هو العكس تماماً، إذ يمثل 11.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بينما تُصنف عملته في المركز 11 عالمياً وتُستخدم في 0.87 في المئة فقط من المدفوعات العالمية». ولفت إلى أن «الاستخدام المنخفض لليوان الصيني يظهر عندما نأخذ في الاعتبار أن الصين هي الدولة الرائدة تجارياً في العالم، متقدمة على الولاياتالمتحدة قليلاً، كما أن قبل عامين كان اليوان في المركز 17 عالمياً وكان يُستخدم في 0.6 في المئة من المدفوعات». وأوضح أن «بالمقارنة بين حصص الدولتين من التجارة العالمية، يظهر الاختلاف في استعمال كل دولة لعملتها، فالدولار عملة عالمية يشيع استخدامها لتسوية المدفوعات، كما يسهل تحويلها بفضل عدم وجود أي حدود لحجم تدفقات العملة من الاقتصاد أو إليه، وهي عملة احتياط تحتفظ بها البنوك المركزية لتحفظ قيمة نقودها، ما يسهل حصول الولاياتالمتحدة على ائتمان رخيص غير محدود». وبيّن كينتانا أن «اليوان لا يحظى بأي من هذه المميزات لأن السلطات الصينية لم ترغب فيها، فاعتمد نموذج النمو الصيني، الذي يقوده التصدير، على تقييد سعر الصرف وأيضاً على سوق الأسهم وحركة رأس المال وأسعار الفائدة». وأكد أن «اليوان حافظ على استقراره وتنافسيته بسبب التلاعب الكبير بسعر الصرف، على رغم الطلب الهائل على السلع الصينية، إلى جانب القوانين الخاصة بسوق الأسهم ورأس المال التي أتاحت للسلطات إبقاء مدخرات الشركات والأفراد في البنوك الحكومية، على رغم سعر الفائدة المنخفض الذي تعرضه، لتمنح هذه البنوك الائتمان الرخيص للهيئات الحكومية لتمّول استثماراتها». ولفت إلى أن «هذا النظام لم يعد مجدياً الآن، إذ لجأ المواطنون الصينيون إلى العقار رغبةً في تحقيق عائدات أكبر على مدخراتهم، ما يهدّد بخطر فقاعة اقتصادية من شأنها أن تشل الاقتصاد إذا لم تعالج في شكل صحيح». وأكد كينتانا أن «على الحكومات المحلية، التي تعتمد في شكل كبير على عائدات بيع الأراضي، التوجه إلى الإنشاء، في حين لجأ الذين لا يستطيعون تحمل كلفة شراء بيت إلى صيرفة الظل بما تحمله من مخاطرة وأرباح أعلى». ولفت إلى أن «القطاع الخاص، وهو القطاع الوحيد الذي يخلق فرص عمل فعلية، يعاني عدم الوصول إلى الائتمان إذ تحصل الشركات الحكومية على كل فرص التمويل، وإذا لم تنكسر هذه الحلقة الخطيرة فسيواجه استقرار الحزب الشيوعي وسلطته، أخطاراً كبيرة، في حين أدركت السلطات أن فك القيود مهم للتقدم، وأن تدويل العملة أولوية». وبيّن أن «تحرير العملة الصينية سيؤثر إيجاباً في الاقتصاد العالمي، ولكن في شكل تدريجي، وأبرز هذه التأثيرات انخفاض كل من خطر تغيّر سعر الصرف وتكاليفه، كما الحال في دول مجلس التعاون الخليجي، ففي عام 2012، صدّرت هذه الدول ما يعادل 79 بليون دولار من السلع إلى الصين، التي اضطرت بدورها إلى شراء هذا المبلغ من الدولارات لتدفع سعر هذه الصادرات الخليجية، التي في معظمها صادرات الطاقة، ثم يُشترى اليوان الصيني مجدداً بهذه الدولارات، لتتمكن دول الخليج من دفع 52 بليون دولار مقابل السلع الصينية التي اشترتها من الصين». وأضاف التقرير: «تم تحويل ما مجموعه 131 بليون دولار من اليوان إلى الدولار، ما يعود بهيئة رسوم عالية للبنوك، كما ستسمح عملية تدويل العملة لجميع المستوردين والباعة فتح حسابات باليوان في أي من مراكز المقاصة، وبالتالي التمكن من أداء كل العمليات باليوان، ما يقلل الحاجة إلى استخدام الدولار». ولفت إلى أن «تكاليف التمويل ستصبح أقل، خصوصاً في مثل الموقف الحالي إذ يعاني العديد من الشركات المالية وغير المالية من الحصول على سيولة بالدولار لتؤدي أعمالها».