تبدو عوالم الاتصالات الذكيّة والمعلوماتية المتطوّرة، كأنها شهقة عميقة مُعلّقة بين لحظتين، إحداهما صارت طيّ الماضي، فيما تنطلق الثانية مع دقّات الساعة. ذهبت اللحظة الأولى، وانطوى معها ماضٍ مديد من انتصارات متلاحقة لخليوي «آي فون»، فكأنها كانت لحظة لتراجع ساحق تذكّر فيه كثيرون صورة الساحر الراحل ستيف جوبز بوصفه صانع لحظات مبهرة ربما لم تعد شركة «آبل» قادرة على تكرارها. هل مات البطل فسقطت الأسطورة، أم أن عوالم المعلوماتية ووقائعها لا تحتمل سحرة وأساطير، بل تبحث عن أشياء أكثر تواضعاً وأشد اقتراباً من الحياة اليومية للكائن الإنساني؟ في اللحظة الثانية، تنخطف العيون في انتظار ضربة برق هائل تتمثل في إطلاق ساعة «غلاكسي غير» التي صنعتها شركة «سامسونغ» لتدمج الأداة التاريخية للوقت المؤطر على المعصم، بالاتصالات الرقمية المتطوّرة. بكلمة أكثر وضوحاً، تمثّل ساعة «غير» اندماجاً للمعلوماتية بالجسد الإنساني، فتحلّ الاتصالات الرقمية المتّصلة بالأقمار الإصطناعية في مكان في الجسد احتلّته طويلاً ساعات لا تقدر إلا على ملاحقة الثواني، كأنها صياد يلاحق فريسة لا تكف عن مخاتلته. وبحسب إعلان صدر عن شركة «سامسونغ» في برلين مطلع الشهر، تتوافر «غلاكسي غير» في 140 بلداً بدءاً من اليوم الأربعاء. وتصل الى الولاياتالمتحدة مطلع تشرين أول (أكتوبر) المقبل. هذه الأداة التي تفتح زمناً من العلاقة المباشرة بين الاتصالات والساعة (وهو زمن لا خبرة للبشر فيه، بالتالي لا يسهل الحديث عن آثاره وإملاءاته)، يلامس سعرها 300 دولار، بمعنى أنها قريبة من سعر مجموعة كبيرة من الخليويات الذكيّة. واستطراداً، «تتواصل» هذه الساعة مع خليويين من صنع «سامسونغ»، هما «غلاكسي إس 4» و «غلاكسي إس 3»، إضافة إلى لوحين ذكيين من صنع الشركة عينها، هما «نووت 3» و»نووت 10.1 2014. ما الذي يربط هاتين اللحظتين؟ ليس مجرّد أنهما تحدثان في زمن متقارب، بمعنى ان طرح «آي فون 5» في السوق جاء بين الإعلان عن ساعة «غير» رسميّاً وبين انطلاقتها المتوقعة في الأسواق. ثمة ما هو أعمق، إذ يمكن القول ان التطبيقات الرقمية هي الخيط الذي يربط الفشل المعلن ل «آي فون» الجديد، والانتصار الكاسح الذي يُتوقّع أن تُحرِزه ساعة «غير» للاتصالات المحمولة على المعصم. فمنذ اندفاعتها القويّة مع أجهزة اللوح الذكيّة والخليويات المتطوّرة، أصبحت التطبيقات الرقميّة ركناً مكيناً في عوالم المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، بل الشغف الأساسي والهاجس الأقوى لدى جمهور هذه العوالم، خصوصاً الأجيال الشابة. ومنذ تبنّى محرك البحث «غوغل» مبادرة صنع نظام التطبيقات الرقميّة «آندرويد»، صارت هذه التطبيقات أكثر ما تصل إليه أيدي الناس عند استعمالهم الاتصالات المتطوّرة، سواء عبر الألواح الإلكترونيّة أو الخليويات الذكيّة أو حتى الحواسيب المتنوّعة. صارت الألسن تلفظ «واتس آب» بوصفه إسم علم، بل صار مستخدماً في الإشارة إلى الاتصال المتنوّع الوسائل والسهل الاستخدام. ثمة شركات للاتصالات الخليوية صارت تقدّم تطبيق «واتس آب» بوصفه خدمة اتصالات مستقّلة بل نوعاً منها قائماً بذاته. لا مجال لتعداد خدمات الاتصالات الرقمية، خصوصاً تلك التي تجري عبر الألياف الضوئية للإنترنت التي تحوّلت تطبيقات رقميّة للخليوي والكومبيوتر. وليست أسماء مثل «فايبر» و»فليكر» و»سكايب» و»باززر» و»بيب» سوى نماذج قليلة منها، تضاف إليها أسماء أكثر رسوخاً مثل «جي مايل» و»بيري ماسنجر» و»تويتر» و»فايسبوك» وغيرها. لا داعي للحديث عن تطبيقات الصحف والمجلات والكتب والمدوّنات والمؤلّفات وغيرها. ألقِ نظرة على شاشة الخليوي الذي تحمله، الأرجح أن معظم الأيقونات التي تتزاحم على الشاشة هي تطبيقات متنوّعة. ولعل أبرز أسباب فشل «آي فون» في تكرار النجاح الذي كان مألوفاً أيام جوبز، هو غياب تطبيقات «آندرويد» عنها. ولكن، من بادر إلى وضع التطبيقات في صلب الاتّصالات الحديثة؟ إنه جوبز! وربما نسي خلفاؤه في «آبل» هذا الدرس الكبير، فدوى سقوط «آي فون 5».