خلال موجة التراجع القاسية التي تعرضت لها أسواق المال في المنطقة نتيجة تخوف المستثمرين من التداعيات السلبية المحتملة للتصعيد العسكري الأميركي - الأوروبي ضد سورية في الأسابيع الماضية، زخرت القنوات الفضائية العربية بمطالبات من وسطاء ومحللين ومستثمرين لهيئات الأوراق المالية بالتدخل من خلال طمأنة المستثمرين وحضهم على الشراء ووقف البيع. ولكن هذه المطالبات غير منطقية وبرزت أخطارها جلية قبل سنوات، أثناء التراجع الكبير لمؤشرات أسواق المنطقة نتيجة التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية، والسبب ان الأسواق المالية في المنطقة أسواق حرة وتندرج من ضمن اعتبارات اقتصادية حرة تلعب فيها تقلبات الأسعار وظيفة رئيسة تتمثل في تحريك الموارد. وتعطي الحركة اليومية للأسعار، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، إشارات إلى قوى السوق (الطلب والعرض) لتعمد إلى التدخل السريع سواء بالبيع أو الشراء، علماً أن حركة الطلب والعرض اليومية في الأسواق تعتمد على مبدأ مهم وهو تقاطع التوقعات واختلافها، فالبائع استناداً إلى توقعاته وتحليلاته واستشاراته، يتوقع انخفاض الأسعار، والمشتري يعتمد أيضاً على توقعاته وتحليلاته، والإشاعات في بعض الأحيان، في توقع ارتفاع الأسعار. هذا التقاطع والاختلاف في التوقعات هو الذي يؤدي إلى التداول اليومي وبالتالي لا يجوز ولا يصح ان تكون هيئات الأوراق المالية أو إدارات الأسواق المالية طرفاً في هذه التوقعات من طريق التوصية بالشراء أو التوقف عن البيع لأن هذه التوصيات تعتبر فنياً انحيازاً إلى بعض قوى السوق، تدعم توقعاتها وقراراتها الاستثمارية، وهذا بالطبع لا يتفق مع الحيادية والعدالة التي يجب على الجهات الرقابية التحلي بها في تعاطيها مع الأطراف المشاركة في الأسواق. ولا شك في أن عدم وجود عمق في معظم أسواق المنطقة وسيطرة سيولة المضاربين الأفراد على حركتها، يؤديان إلى تأثرها بالمواقف والأحداث السياسية السلبية أكثر من الإيجابية، كما أن ضعف الاستثمار المؤسسي الذي يساهم عادة في استقرار الأسواق ونضج القرارات الاستثمارية، في ظل غياب صناع للأسواق، يجعل أسواق المنطقة من أكثر جزئيات الاقتصاد الكلي حساسية للأحداث. لكن توصيات هيئات الأوراق المالية بالشراء أو وقف البيع قد تحملها مسؤولية حدوث عكس توقعاتها وتوصياتها إذ يفترض بعض المستثمرين ان هيئات الأوراق المالية تتوافر لديها معلومات غير متوافرة لدى غيرها فيعمدون بالتالي إلى تنفيذ توصياتها. وفي المقابل، فإن لدى هيئات الأوراق المالية من الصلاحيات الممكن اتخاذها في الظروف الاستثنائية للحفاظ على حقوق المستثمرين وأموالهم، ومنها، مثلاً، وضع سقف يومي للارتفاع والانخفاض في أسعار أسهم الشركات المدرجة، ووقف التداول لفترة محدودة، ومحاربة الإشاعات، ورفع مستوى الإفصاح والشفافية. وساهمت القوانين والأنظمة التي أصدرتها هيئة الأوراق المالية في الإمارات، مثلاً، ومنها الترخيص قانوناً للمحللين الماليين والمستشارين الماليين ودوائر البحوث والدراسات وغيرها بالمساعدة في ترشيد قرارات المستثمرين ومعرفة الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة في الأسواق المالية. مستشار أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»