اتسعت قاعدة المستثمرين والمضاربين ودخل الملايين منهم أسواق المنطقة خلال فترة طفرتها، وتحديداً بين عامي 2004 و2008، لأسباب من أهمها المكاسب الكبيرة التي تحققت خلال تلك الفترة، ومساهمة التداول الإلكتروني في تسهيل متابعة حركة الأسواق واتخاذ القرارات الاستثمارية سواء بالبيع أو الشراء، ومحدودية فرص الاستثمار البديلة، ومساهمة الإصدارات الجديدة في تعزيز الإقبال على الاكتتاب في أسهم الشركات الحديثة، خصوصاً من صغار المستثمرين المنجذبين إلى المكاسب السريعة. وأدى ذلك إلى اهتمامٍ موازٍ من وسائل الإعلام المختلفة بمتابعة أداء الأسواق، فتصدرت خلال تلك الفترة أخبار البورصات وتحليلات أدائها عناوين الصحف ووسائل الإعلام، وأفرد الكثير من وسائل الإعلام برامج وملاحق خاصة، وأسِّست محطات متخصصة تركز اهتمامها على حركة الأسواق، ما عكس الاهتمام الشعبي بهذا الموضوع. ولا شك في ان الإقبال الجماهيري الكبير على متابعة أخبار الأسواق المالية وإنجازاتها أدى في الوقت ذاته إلى اهتمام خاص بمتابعة تحليلات وتعليقات من الوسطاء والمحللين الماليين الذين يظهرون على وسائل الإعلام المرئية والمقروءة في ظل انخفاض الوعي الاستثماري وانخفاض ثقافة الاستثمار في أسواق المال لدى شريحة كبيرة من المستثمرين. بالتالي كان الاعتماد كبيراً وواضحاً على تحليلات هؤلاء المحللين وتوصياتهم وآرائهم في اتخاذ قرارات الاستثمار وتوقيتها واختيار الشركات القوية. وساهم ضعف مستوى الإفصاح والشفافية في معظم أسواق المنطقة في تلك الفترة، سواء لجهة جودة المعلومات المفصح عنها وتوقيت الإفصاح وعدم وجود مكاتب متخصصة ومحايدة للاستشارات المالية تنشر تحليلاتها المالية عن الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة، إضافة إلى اعتماد بعض كبار المستثمرين على المعلومات الداخلية في اتخاذ قرارات البيع والشراء، في تعزيز متابعة المستثمرين توصيات المحللين وتعليقاتهم، بافتراض توافر معلومات مهمة لديهم. ونظراً إلى استمرار الطفرة لسنوات تخللتها موجات تصحيح محدودة وتحقيق معظم المستثمرين مكاسب كبيرة، ارتفعت شعبية هؤلاء المحللين بنسبة كبيرة، وأصبحوا من نجوم المجتمع الاقتصادي. إلا ان فترة التصحيح والتراجع القوية التي تعرضت لها الأسواق منذ بداية الثلث الأخير من عام 2008، نتيجة التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية واستمرار هذه التأثيرات حتى يومنا هذا، عرّضت معظم المستثمرين والمضاربين إلى خسائر جسيمة وأفقدتهم جزءاً مهماً من ثرواتهم، فضاعت الثقة في معظم المحللين الذين كان لهم دور مهم في تعزيز المضاربة في الأسواق بدلاً من الاستثمار الطويل الأجل، خصوصاً ان الأزمة وتداعياتها السلبية على الأسواق أفرزت محللين محترفين وغير محترفين، إضافة إلى محللين لهم مصالح في رفع أسعار أسهم بعض الشركات أو خفض أسعار أسهم شركات أخرى، ما أثر سلباً في التزامهم الحفاظ على شرف المهنة ومعايير الصدقية والأمانة والحيادية والابتعاد من المصالح الشخصية. ولم تفرّق طفرة السوق أيضاً بين المحللين الذين يتمتعون بمهنية عالية لجهة الخبرة والتخصص والمتابعة والمحللين المتطفلين على هذه المهنة المهمة. واضطرت هيئات أوراق المال في المنطقة أخيراً ولحماية صغار المستثمرين، إلى وضع معايير وامتحانات متخصصة للراغبين في الحصول على ترخيص لتقديم استشارات مالية وتحليل مالي. وتعتمد نسبة مهمة من المحللين في توصياتهم على التحليل الفني من دون الاهتمام بالتحليل الأساسي فيشجعون المضاربة بدلاً من الاستثمار الطويل الأجل واختيار أسهم الشركات القوية التي تتمتع بمؤشرات مالية واستثمارية متميزة. ومعلوم ان التحليلات الفنية التي يركز عليها معظم المحللين الفنيين، تعتمد على نظريات واستنتاجات طورت في أسواق عالمية مضت على تأسيسها عقود وهي أكثر تطوراً ونضجاً من أسواق المنطقة، ما يجعل تطبيقها في معظم أسواق المنطقة بالغ الصعوبة، وهذا من الأمور التي أضعفت الثقة أكثر بالمحللين الماليين. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»