برز هذه السنة عدد كبير من الانتقادات الموجهة إلى الجهات الرقابية في البورصات (هيئات الأوراق المالية أو إدارات أسواق المال) نتيجة عدم تدخلها في حركة أسعار الأسهم، سواء عند الانخفاض الكبير أو عند الارتفاع القياسي. وتعكس هذه الانتقادات بالطبع عدم معرفة أو إلمام بوظائف الجهات الرقابية ومهامها، وأخطار تدخل الجهات الرقابية في ظل اقتصاد حر، إذ للأسعار وظيفة أساسية هي تحريك الموارد، فيما تعطي حركتها إشارات إلى قوى السوق بالتدخل سواء بالبيع أو الشراء. وتقوم الحركة اليومية لأسعار أسهم الشركات، والتي تعكس حجم الطلب والعرض، على مبدأ مهم، هو تقاطع التوقعات، فالبائع يتوقع أن تتراجع الأسعار نتيجة عوامل مختلفة سواء منها ما يتعلق بإدارة الشركات أو أداء القطاع الذي تعمل فيه الشركة، أو أداء الاقتصاد، أو بسب تغير الإدارة أو غيرها من الأسباب، والمشتري يتوقع أن ترتفع الأسعار نتيجة عوامل مختلفة أيضاً درسها أو استند إليها في قرارات الشراء، أو إلى توصيات بعض المحللين أو الأصدقاء أو الوسطاء. وهذا التقاطع في التوقعات هو الذي يؤدي إلى التداول، ولا يجوز للسلطات الرقابية أن تكون طرفاً في هذه التوقعات عن طريق التعليق على مستويات الأسعار. فهذا التعليق يعتبر انحيازاً إلى بعض قوى السوق بدعم توقعاتها إضافة إلى أنه لا يتفق مع العدالة التي يجب على الجهات الرقابية أن تتحلى بها في التعامل مع الأطراف كافة ومع قوى السوق. والسلطات الرقابية، ولرفع مستوى نضج القرارات الاستثمارية وترشيدها، سواء بالبيع أو الشراء، فرضت على كل الشركات المدرجة الإفصاح الفوري عن أي معلومات تؤثر في حجم الطلب والعرض وحركة أسعار أسهم الشركات المدرجة، إضافة إلى الإفصاح الدوري (كل ثلاثة أشهر) عن تطورات أدائها وأرباحها. كذلك وضعت الهيئات الرقابية القوانين والأنظمة والتعليمات التي تحرّم استغلال المعلومات الداخلية قبل نشرها من قبل شريحة المطلعين وتمنعه، سواء كان هؤلاء أعضاء في مجالس إدارات الشركات أو من كبار موظفيها. وأصدرت الهيئات الرقابية الأنظمة والقوانين الخاصة بترخيص المستشارين والمحللين الماليين وشركات البحوث والدراسات، لمساعدة المستثمرين على اللجوء إلى المتخصصين والاستنارة بآرائهم في اتخاذ القرارات الاستثمارية، كما فرضت على الوسطاء الالتزام بأخلاق المهنة والتحلي بالأمانة والنزاهة والصدقية عند التعامل مع المستثمرين وعدم تشجيعهم على البيع والشراء بهدف تحقيق عمولات من دون الالتفات إلى مصالحهم. وقد تحمَّل هيئات الأوراق المالية أيضاً المسؤولية عند تعليقها على مستويات الأسعار السائدة إذا حدث في الأسواق عكس توقعاتها، خصوصاً إذا كانت الأسواق ضعيفة الكفاءة بما يؤثر في صدقيتها وسمعتها، بينما تلجأ الهيئات إلى تقديم النصائح والإرشادات ورفع مستوى التوعية بأخطار الاستثمار في الأسواق المالية وأخطار المضاربة والاعتماد على القروض، وتسهيلات شركات الوساطة أو المصارف للاستثمار في أسواق المال. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»