في الوقت الذي تنحصر فيه استخدامات البعض للمعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، بالتسلية وتبادل الصور و «بروفايلات» التواصل الاجتماعي وغيرها، يستخدمها آخرون في مراقبة أداء الحكومة والسلطة التنفيذية. فحتى أصغر النجوع والقرى التي ربما لا يفكر الإعلام في الوصول إليها، صارت أخبارها ملء العين والسمع، بفضل شبكات التواصل الاجتماعي الرقميّة. فمنذ أيام قليلة، تعرضت سيّدة مصريّ إلى إهمال في أحد المستشفيات الحكومية في بلدتها الريفية. وتلخّص الأمر في أنها شعرت بآلام الوضع، وتوجهت إلى المستشفى، لكن اختصاصياً صرفها، معتبراً أنها ليست في حال وضع. وما أن وطأت قدماها الشارع، حتى داهمها المخاض وولدت طفلتها على قارعة الطريق. ولحسن الحظ، سجّل أحدهم تلك الواقعة عبر هاتفه الجوّال، ما دفع المسؤولين إلى إقالة مدير المستشفى. لم يبادر مصوّر تلك الواقعة إلى وضعها على ال «يوتيوب» إلا بعد عشرة أيام من دون اتخاذ إجراء عقابي خلالها في حق من تركوا السيدة تلد في الشارع، وما إن وصلت الصور إلى الشبكات حتى قامت الدنيا ولم تقعد. لم يقتصر الأمر على من شاهدوا المهزلة عبر «يوتيوب»، بل ظهر أيضاً تفاعل بين الإعلام الجماهيري التقليدي مع الإنترنت، عبر متابعة معدّي البرامج التلفزيونية أخبار الشبكات الاجتماعية. كذلك نشرت الصحف ما حدث مع تلك السيدة، مبرزة صور الطفلة التي أدى إهمال الأطباء إلى ولادتها على الأسفلت. وبعدها، انشغلت برامج ال «توك شو» في معظم الفضائيات بالقضية ذاتها، بل عرضت الشريط الذي وضع على «يوتيوب». من يقدر على الخليوي؟ الأرجح أن صاحبة المَظلَمة لم تتخيل أن مشكلتها تسببت في عزل مدير المستشفى، مع تحقيق إداري موسّع مع الأطباء المتورطين في الحادثة. تكمن القصة كلها في التفاعل الواسع بين الإنترنت وكاميرا الخليوي. ولولا التقدم المتلاحق في الوسائل التكنولوجية لما خرجت تلك اللقطات عن نطاق أصدقاء مَنْ صوّرَها. وبصورة شبه يوميّة، يُظهر المواطن المصري، أو ما نطلق عليه إعلاميّاً مصطلح «رجل الشارع»، تفاعلا فوّاراً مع الوسائل التكنولوجية الحديثة. لقد باتت تلك الوسائل هي التي تغذي الإعلام المحترف بما ربما تعجز عنه شبكات مراسليه. وعلى رغم أن تقنيات الصور ومقاطع الفيديو التي يلتقطها المواطن العادي ليست عالية الحِرفيّة، لكن تطوّر الهواتف الجوّالة تغلّب على تلك العقبة إلى حد بعيد. وفي ماضٍ قريب، كان المواطن يرسل شكواه إلى جريدة أو برنامج تلفزيوني، وينتظر طويلاً النشر أو العرض، بل ربما لا يحظى بأي منهما في نهاية الأمر. وحاضراً، بات المواطن يتمكن من رفع مظلمته على الإنترنت بالصوت والصورة، فيتسابق الإعلام التقليدي على طرح مظلمته بما قد يجعلها قضية رأي عام. وفي ذلك السياق، تنظّم نقابة الصحافيين المصريين دورات تدريبية للاستفادة من التقنيات الرقميّة الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، في جلب الخبر وصناعته أحياناً. وفي ظل التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال والإعلام والاستخدام الواسع للإنترنت، يخشى الخارجون عن القانون، والمقصّرون في أعمالهم، والمعطّلون لمصالح خلق الله في الدوائر الحكوميّة، من مواطن بسيط كل ما يملكه خليوي وأداة ذاكرة رقميّة «فلاش».