«دنهاخ»، العاصمة السياسية لهولندا، هي المدينة الكبرى الأولى في البلد التي تعدى فيها عدد المهاجرين مع أبنائهم عدد الهولنديين الأصليين. وهي المدينة الأكثر بعدد المشاكل الاجتماعية لجهة اندماج المهاجرين في البلد. هناك حدود غير مرئية تفصل بين الأحياء السكنية والمجموعات الأثنيّة في المدينة التي خرج أخيراً من شوارعها شبان من أصول مُهاجرة مُسلمة يحملون رايات «داعش»، وبعدها بأيام تظاهرات لهولنديين بيض لا تقل تطرفاً، ولم تخفِ كرهها لمسلمي المدينة. هناك أحياء كاملة من المدينة يسكنها المهاجرون فقط، والذين يشكّل المسلمون غالبيتهم. لكنّ هؤلاء ليسوا نوعاً واحداً. وهناك الهولنديون من أصول أفريقية، وهؤلاء يعانون من تركات ماضيهم وعلاقتهم الملتبسة مع تاريخ البلد الاستعماري السابق. هذه المدينة، التي تبدو مُعقدة كثيراً، ستكون المكان الأمثل لتجربة تلفزيونية تجمع نماذج من سكان المدينة تحت سقف واحد، وتحاول أن تصل الى إجابات عن التعايش والحريات والمستقبل. تُشبه التجربة التلفزيونية الهولندية التي قدمها برنامج «عادة هولندية» التلفزيوني، والذي انتهى عرضه على القناة الأولى الحكومية أخيراً، ما فعلته القناة الرابعة البريطانية قبل أعوام، عندما اتخذت مدينة بريطانية مُضطربة ومتنوعة الإثنيات (برادفورد) موضوعةً للدراسة، فجمعت نماذج من سكانها تحت سقف واحد وركزت الاهتمام عليهم. هناك في البرنامج الهولندي ثلاثة مسلمين، ومثلهم من الهولنديين، وهناك سيدتان من أصول افريقية، ومن جزر كانت تحت هيمنة الإمبراطورية الهولندية. تحاول الحلقة الأولى من البرنامج أن تصل الى إجابات عما يعنيه أن يكون المرء هولندياً اليوم، ونتابع في مدينة دنهاخ اختبار الجنسية الذي يفرَض على طالبي الجنسية الهولندية. ستفشل المجموعات جميعها في الاختبار، الأمر الذي يُعقّد مهمة تعريف الهوية الهولندية، فهو للفتاة المسلمة المحجبة التي تحدثت من جامع صغير، أن تولد - مثلها - في البلد وتعيش فيه حياتها كلها، أما دين المرء وما يرتديه فهي تفصيلات ثانوية. هذه الفتاة كشفت ان الاعتداء العنصري الأخير الذي تعرضت له بسبب حجابها كان من رجل من أصول غير أوروبية، كجزء من ظاهرة العداء الجديدة بين المهاجرين أنفسهم، الأمر الذي يضيف مزيداً من التعقيد إلى الواقع المُتأزم أصلاً. عندما يصل مشتركو البرنامج إلى البيت الكبير في ريف المدينة، ستظهر على السطح الاختلافات بين المجموعة، والتي كان يقف وراء الجزء الأعظم منها، شاب مُتشدّد من أصول مغربية يلبس «الجلابية»، والذي كان يرفض الجلوس على الطاولة ذاتها التي يجلس عليها رفاقه بالتجربة، بسبب وجود مشروبات كحولية عليها، كذلك سيرفض الشاب مصافحة زميلاته النساء، وعندما يذهب إلى المدينة لشراء اللحم المذبوح على الطريقة الإسلامية للمجموعة، سيتأخر ساعات لأنه كان يريد أن ينتظر حلول أوقات الصلاة التي أصرَّ على أن يؤديها في الجامع. يمرّ البرنامج على كثير من العقد الحساسّة في علاقة مهاجرين أو أبناء البلد الأصلي مع بعضهم بعضاً. فهناك في المجموعة شاب مثليّ، سيكون وجوده فرصة لإطلاق النقاش عن موقف مسلمين من المثليّة، كذلك ستحتل موضوعة التاريخ الهولندي مع تجارة الرِقّ في أفريقيا مساحة مهمة، تعكس ما يجري في الواقع الهولندي منذ عامين. فأثناء زيارة المجموعة أحد القصور الأثرية، سيلفت السيدة من أصول أفريقية وجود عبد صغير في إحدى اللوحات المعلّقة هناك والتي تعود إلى قرنين سالفين، الأمر الذي سيهيّج جراحها، إذ ستُذكّر المشاهدين إن جدة أُمّها كانت عبدة، لذلك لا تستطيع أن تتساهل مع لوحات كهذه، وإنّ ألمها ليس من فراغ. تتأرجح الصورة التي قدّمها البرنامج للمستقبل بين التشاؤم القاتم، وآخر صعب يتطلّب كثيراً من العمل الجاد الذي ينتظر الجميع من أجل العيش بسلام. تكشف المُشتركة المغربية المُحجّبة بأنها ستترك حي المهاجرين الذي تسكنه بعد تخرّجها من الجامعة من أجل حياة أفضل لها ولأولادها في المستقبل. هذه الفتاة تعرضت مع زميلتها الهولندية في البرنامج لاعتداءات لفظية من أطفال عندما كانت تمرّ من هناك. على الجانب الآخر كان هناك مشترك تركي، بدا متصالحاً كثيراً مع نفسه وواقعه. هو مسلم يؤدي الشعائر الدينية، ويؤمن تماماً باحترام الآخر، وفي ذلك، السبيل الوحيد لحياة مستقرة في المدينة، وإن المستقبل سيقرّب الأضداد من بعضهم بعضاً، وهو الأمر الذي لم يشاركه فيه زملاؤه في البرنامج، إذ كشفوا عن تشاؤمهم الشديد من الآتي من الأيام.