توجهت الأنظار امس، مجدداً الى المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية اللبنانية في بيت الدين، مع عودة وفد المعارضة للاجتماع مع الرئيس ميشال سليمان للمرة الثانية خلال 48 ساعة لتسليمه تصورها للتشكيلة الحكومية على خلفية الاعتراض على الصيغة التي سلمها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري الى سليمان قبل يومين، إلا أن الوفد خرج من القصر من دون التصريح، ما ترك الأنظار مشدودة لكن هذه المرة في اتجاه مقر إقامة الرئيس المكلف والخطوة التالية التي قد يقدم عليها وربما الاعتذار ما يعيد البلاد الى نقطة الصفر في مسألة تشكيل الحكومة. وكان وفد المعارضة ضم وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل والنائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين الخليل. والتقى سليمان في وقت سابق وزير الشباب والرياضة في الحكومة المذكورة طلال ارسلان على رأس وفد كبير من مشايخ طائفة الموحدين الدروز في الشوف وعاليه والمتن للترحيب به في المقر الرئاسي الصيفي، ورد سليمان بالدعوة الى «الحفاظ على الوحدة الوطنية التي يجب ان تكون المعيار الأساسي لكل قراراتنا وتوجهاتنا الوطنية والتي تبقى وحدة الجبل أساسها الصلب»، منوهاً بخطوات المصالحة التي قام بها ارسلان. وتابع سليمان مع وزير العدل إبراهيم نجار تطورات ملف شبكة الباروك، وبحث مع عضو كتلة «المستقبل» النيابية احمد فتفت التطورات السياسية. وأكد الأخير في تصريح الى وكالة «الأنباء المركزية» ان «رئيس الجمهورية يبذل جهداً كبيراً في الملف الحكومي ويحاول إقناع اطراف المعارضة بالتشكيلة التي قدمها الرئيس المكلف الحريري انطلاقاً من اقتناعه بتوازنها، خصوصاً انها تعطي الكثير للتيار الوطني الحر». وأشار الى «ان سليمان يعمل على تدوير الزوايا ويحاول تقريب وجهات النظر لتلمس مدى إمكان قبول المعارضة بالصيغة المطروحة إلا أن في حال تبين أن المعارضة لم توافق وستظل على مواقفها فانه لن يوقع مرسوم التشكيل وهو الأمر الذي قد يؤدي الى اعتذار الحريري». ولفت الى «أن الاعتذار يصبح حتمياً وطبيعياً في هذه الحال، ما يعيد الأمور الى نقطة الصفر أي إجراء مشاورات نيابية ومن ثم تكليف واستشارات مع الاطراف السياسية». وعن المدى الزمني المتوقع لحسم الامور سلباً أو إيجاباً قال فتفت: «الرئيس سليمان يعمل بكثير من الهدوء والروية وقد تستلزم بعض الوقت ربما 24 أو 48 ساعة إلا إذا كان جواب المعارضة سلبياً جداً». وعن الشخصية التي ستكلف إذا حصل الاعتذار قال فتفت: « سيكلف الحريري مجدداً غير أننا لن نشهد صيغة ال15-10-5». ونفى اتهامات بعض المعارضة للحريري «بأنه سعى الى الوصول الى الاعتذار ليكلف مجدداً وينسف الصيغة السياسية للحكومة بعد مواقف جنبلاط الأخيرة»، مؤكداً «ان الرئيس المكلف ليس في هذا الوارد اطلاقاً ويهمه تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد». مواقف وكانت المواقف من مسألة التشكيل تواصلت تضامناً مع الحريري أو مع المعارضة، وقال الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي انه «من الداعين الى إزالة العراقيل من أمام الرئيس المكلف وليس زيادة الشروط والمطالب خصوصاً ان الدستور ينص على ان الاستشارات النيابية التي يجريها الرئيس المكلف غير ملزمة فكيف يمكن ان يقول البعض اليوم ان على الرئيس المكلف ان يلتزم بقرار الكتل النيابية؟ ان أمر تشكيل الحكومة متروك دستورياً لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف وما يقومان به يقع في موقعه الطبيعي». وقال وزير الاقتصاد محمد الصفدي: «فوجئنا بمسارعة المعارضة إلى رفض الخطوة الدستورية التي قام بها رئيس الحكومة المكلف، حتى قبل الاطلاع على مضمون هذه التشكيلة التي طال انتظارها. عانينا في الماضي من نظام الترويكا والمحاصصة الرئاسية، فإذا بنا نواجه اليوم خطر تفكك النظام اللبناني بالكامل تحت عنوان الإدارة الجماعية للسلطة من دون احترام لنتائج الانتخابات النيابية. إنه خروج تدريجي عن الدستور المنبثق من الطائف». وأيد «التشاور للانتقال إلى القرار»، مشيراً الى ان «الدستور لا يعطي للأحزاب السياسية أو الكتل النيابية حق تسمية وزرائها أو اختيار حقائبها وإلا تعطلت صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأصبحا فقط منسقين في الشكل لسلطة متعددة الرؤوس». وانتقد نائب زحلة نقولا فتوش «التنكر الكامل لدور زحلة، وعدم تمثيلها في الحكومة، وتجاهل حقوقها ومصالحها الحيوية، ومواقفها الوطنية، كونها عاصمة الكثلكة وأكبر مدينة مسيحية في الشرق». وقال في مؤتمر صحافي: «إذا كان الرئيس المكلف أعلن مراراً أن تشكيلته الحكومية ستؤلف بما يوفر أمرين على الأقل هما: احترام الاستشارات التي أجراها مع مختلف الأطراف بعدما استنفد الكثير من الوقت، واحترام الصلاحيات الدستورية ونتائج الانتخابات النيابية، فلماذا أخلف مع زحلة في هذين الوعدين؟»، معتبراً ان «ما نشاهده اليوم من كر وفر ينحو بالواقع السياسي إلى مشهد عجيب غريب، تعلوه موجات الانحطاط السياسي بما يختلف تماماً عن إرادة الشعب وتطلعاته، ولا يشيع في نفوس الزحليين الأمل والطمأنينة، ولا يشجع على التفاؤل والتعلق بأهداب الاستقرار». واعتبر عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي نبيل نقولا «ان طريقة طرح الحكومة على رئيس الجمهورية، حلقة من حلقات انقلابية استئثارية على الدستور والديموقراطية التوافقية قام ويقوم بها «تيار المستقبل»، مدعوم من قوى خارجية وداخلية اعتادت إطلاق الشعارات المذهبية والطائفية تارة، وتارة أخرى اتهامات باتجاه العماد عون وتياره عدا عن الحوادث الأمنية المفتعلة والتهديدات بانهيارات اقتصادية. كل ذلك من أجل إفقار المواطن كي يسهل عليهم إكمال عملية التوطين بعد إعلان إسرائيل إلغاء حق العودة». وأكد مسؤول منطقة الجنوب في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، خلال إفطار أن «لا يمكن لمن يسلك طريق الخلاف أن ينتج وفاقاً، وأننا حاضرون للتعاون من اجل الوفاق والتفاهم لتسهيل الحوار ولا نقبل بأن نكون أداة لمشروع تحجيم أحد أو الاستفراد أو كسر أو إضعاف أحد»، لكنه رأى «أن ما حصل نقل لبنان عن سكة الوفاق إلى سكة أخرى»، مؤكداً «أن لا قوة للبنان بمنأى عن المقاومة وعن الوحدة الوطنية، لذلك فالمقاومة هي أكثر من يحرص على تعزيز الوحدة الوطنية، وأكثر من أن يحرص على تسهيل وتسريع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية». مذكراً بأن «حزب الله» كان «السباق في المبادرة لتسهيل مهمة تشكيل الحكومة»، مشيراً إلى «أن سياسة الإدارة الأميركية في لبنان تمثل نذير شؤم لكل اللبنانيين»، لافتاً إلى «أن السفيرة الأميركية هي أول من رحب بهذه الخطوة غير الوفاقية». واعتبر ان «الخروج من المأزق الحالي يعني استكمال الحوار مع الجنرال عون حيث أن الخروج من الأزمة الحالية بات يمر بمعبر واحد ألا وهو إسقاط القرار الخارجي باستهدافه ليكون اللبنانيون معاً في حكومة وفاق وطني». وشددت «الجماعة الإسلامية» في بيان على ان «الفريق السياسي الذي يعارض مثل هذه التشكيلة الحكومية التي تقدم بها الرئيس المكلف أو يرفض المشاركة في الحكومة بإمكانه ان يكون في صف المعارضة وأن يتحمل مسؤولياته الوطنية من خلال هذا الموقع الذي لا يقل أهمية عن المشاركة في الحكومة، أما أسلوب التهديد والوعيد الذي يلجأ إليه البعض في محاولة لتحقيق مكاسب إضافية لا يستحقها فينبغي ادانته ومحاسبة الفريق الذي يسعى الى إثارة الفوضى والاضطراب في حين أن البلد يحتاج الى الاستقرار». ورأت القيادة القطرية لحزب «البعث العربي الاشتراكي» في لبنان ان الخطوة التي أقدم عليها الرئيس المكلف «بتسمية حكومة غير متفق عليها جاءت بعد زيارة المبعوث الأميركي زلماي خليل زاده للبنان وبعد التصريحات التي اطلقتها السفيرة (الأميركية) سيسون ورغبة إدارتها في حكومة تمثل الأكثرية النيابية وتوجيهاتها، تدلل على ان هناك رغبة في إبقاء لبنان في حال من الصراعات والتجاذبات لأهداف مشبوهة وغايات معروفة». ودعا المكتب الإعلامي للواء الركن جميل السيد في بيان رئيس الجمهورية الى «إنقاذ وزارة العدل من مخالب السياسة»، داعياً كل فرقاء المعارضة «الى تحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية في رفض ما ورد في التسريبات الإعلامية من ان الحريري اقترح الموظف العام سهيل بوجي وزيراً للعدل»، مؤكداً ان «وزارات الدفاع والداخلية والعدل يجب ان تكون حصراً من ضمن الوزارات التي يخصصها رئيس الجمهورية لأشخاص محايدين سياسياً بين المعارضة والموالاة». وأعلنت عضو المكتب السياسي في تيار «المردة» التي ورد اسمها في تشكيلة الحريري الحكومية فيرا يمين أن «المعارضة منسجمة في شكل كبير، وأن تيار «المردة» بالتنسيق مع المعارضة لا يرضى بوزارة دولة، وأن التحالف بين «التيار الوطني الحر» و «المردة» لن يقف عند وزارة او حقيبة».