أخيراً، وبعد أن أصبحت حياتهم مهددة، استجاب أفراد أسرة «أم علي» لنداءات الجيران والأقارب وخرجوا من منزلهم الذي استقرت فيه الأسرة منذ نحو 30 عاماً. كانت الدموع حاضرة من كل أفراد الأسرة الذين يبلغ عددهم تسعة أشخاص (أم علي وأولادها الثلاثة وبناتها الخمس). وعاشت الأرملة المعدمة لحظات اختلطت فيها مشاعر الحنين للمنزل بالخوف من التشرد وتفرق أبنائها. ولم تكن بوادر انهيار المنزل حديثة العهد، فمنذ أعوام والجدران متصدعة، بل إن بعضها انهار، ما جعل بعض فاعلي الخير يتدخلون ويرممون المنزل من الخارج، إلا أن الخلل فيما يبدو من الأساسات التي أثرت في السقف وكل أجزاء المسكن. وتقول أم علي: «لم أكن جاهلة بوضع بيتنا، ولكن ما في اليد حيلة، فالتشرد هو مصيرنا»، موضحة أن المنزل المتهالك كان آمناً نسبياً في الأعوام الماضية، إلا أن الوضع زاد سوءاً بسبب الأمطار. وتضيف: «لولا خوفي على أبنائي لما تركت المنزل، فقد عشت فيه مع زوجي رحمه الله، ولا شيء لدي يذكرني به سوى المنزل». وترثي أم علي وضعها ووضع أبنائها، «أسكن حالياً مع بناتي لدى إحدى قريباتي، بينما ذهب أبنائي للعيش مع أحد أقاربهم»، لافتة إلى أن أبناءها مراهقون وتخاف عليهم في مثل هذه السن من أصدقاء السوء، خصوصاً أن حالهم المادية سيئة. وتقول: «خرجت من منزلي، وأنا حالياً عاجزة عن استئجار منزل بسبب ظروفي المادية»، مشيرة إلى أنه «في الفترة الأخيرة وصل الأمر إلى مستوى خطر، فعندما وقع جزء من السقف في الصالة الداخلية شعرت بالخوف والرهبة وخرجت على رغم أنني أرفض مبدأ الخروج منه». وتناشد أم علي كل من له قدرة على لم شمل الأسرة بمساعدتها «تشردنا بعد خروجنا من المنزل وحال أبنائي تصعب على كل من يراهم»، لافتة إلى أن أحوالهم المادية صعبة وأبناءها ما زالوا يدرسون ولا تريد أن يضطروا لترك الدراسة وإفساد مستقبلهم والبحث عن وظائف متواضعة. وتكفكف دموعها، «تكالبت ظروف الحياة علينا وأشعر بمرارة التشرد، فزوجي متوفى وهذا المنزل ورثته منه، وأتقاضى مبلغاً شهرياً من وزارة الشؤون الاجتماعية، ولكنه لا يكفي لبناء منزل مكان المنزل القديم، وهناك مصاريف أخرى من مأكل وملبس وحتى دواء، فلا متنفس ولا منقذ، فتوجهت إلى جهات حكومية عدة لمساعدتي إلا أنني لم أجد آذاناً صاغية». وتبحث أم علي عمن يمسح دموعها، ويقيها شرور الأيام، وتتخوف من أن تمضي بقية حياتها وهي في العقد السادس من عمرها في الشارع، على حد قولها، وتشعر بالحزن والانكسار لحاجتها إلى منزل فقط، فهي لا تريد منزلاً جديداً أو إيجار منزل، وإنما العودة إلى مكان عاشت فيه وتتمنى أن تموت فيه.