منذ حوالى شهر وحتى اليوم، لم تتوصل السلطات الفرنسية الى حل لغز طائرات موجهة من بعد (بلا طيار) تحلّق في اجواء المحطات النووية الفرنسية، مثيرة ارباك السلطات وكثيراً من التساؤل والتخوف حول أمن هذه المنشآت البالغة الحساسية. واستهدفت تلك الطلعات التي بدأت مطلع شهر تشرين الاول (اكتوبر) الماضي وكان آخرها ليل السبت الماضي، 13 محطة نووية من اصل 19 موزعة على الاراضي الفرنسية وتتولى تشغيلها شركة كهرباء فرنسا. وتعذر على السلطات الامنية المكلفة حماية تلك المنشأت النووية المدنية وعلى الحكومة الفرنسية ايضاً، تحديد هوية هذه الطائرات ومشغليها، ما دفع وزيرة البيئة والطاقة سيغولين رويال الى القول إن «ليس لدينا اي مؤشر» حول دوافع عمليات التحليق ومن يقف وراءها. وأكدت شركة كهرباء فرنسا تكراراً ان التحليق فوق منشآتها النووية لا ينطوي على خطورة، مثيرة بذلك الاستغراب كون اي حادث يطرأ في واحدة من محطات البلاد يمكن ان يؤدي الى اضرار بيئية بالغة. وكانت الأنظار اتجهت بداية وعقب الكشف عن عمليات التحليق الى منظمة حماية البيئة «غرين بيس» التي سبق لأعضائها ان استهدفوا منشآت نووية، سواء بالتسلل الى داخلها او تسلق اسوارها، لدحض التأكيدات بأن الأمان المطلق محيط بها. لكن هذه المنظمة سارعت الى نفي مسؤوليتها عن تلك الطلعات الجوية، وهو ما اكدته بدورها السلطات الفرنسية المعنية، مما اطلق العنان لتكهنات حول خطورة هذه الاعمال وما يمكن ان يترتب عليها. وعلى رغم مساعي يبذلها المعنيون للتخفيف من شأن الخطورة التي تنطوي عليها عمليات التحليق وتأكيد ان المنشآت النووية مصممة بطريقة تجعلها قادرة على مقاومة اصطدام طائرة بها على غرار ما حصل في «11 ايلول» فإن انصار البيئة ومنهم النائب دوني بوبان يرون ان متانة المباني لا تمثل اي حماية للاحواض المائية المستخدمة لتبريد الوقود النووي والموجودة خارجها والتي يمكن استهدافها من قبل طائرات موجهة من بعد. وعلى غرار انصار حماية البيئة يرى بوبان ان لا بد من تحصين الاحواض وتزويدها بذات القدرة على المقاومة مثل المباني، لكن هذا يتطلب ارصدة كبيرة هي غير متوافرة حالياً لدى الدولة الفرنسية. وبموازاة الجدل حول كهولة المنشآت النووية في فرنسا وضرورة تحديثها او الاستغناء عنها مثلما يطالب البعض، برز جدل مزدوج حول الاجراءات الامنية المعتمدة لحماية هذه المنشأت وحول تشديد الاجراءات المعتمدة في مجال شراء الطائرات الموجهة من بعد المدنية وتحديد اطر استخدامها بطريقة افضل. وترددت على شبكات التواصل الاجتماعي سيناريوات متعددة حول الهدف من عمليات التحليق وهوية منفذيها ومنها انها قد تكون عمليات اختبارية تقوم بها الاستخبارات للكشف عن الثغرات في نظم حماية محطات الطاقة النووية. وفيما يتولى القضاء الفرنسي التحقيق في هذه الحوادث يبدو ان وزير الداخلية برانر كازنوف شعر بأن المهزلة غير المسلية قد طالت وقرر السماح للقوات المكلفة حماية المحطات النووية بإطلاق النار في حال حدوث عمليات تحليق جديدة.