خاضت اختصاصية أمراض الدم الوراثية الدكتورة هدى المنصور، «كفاحاً محموماً» توج بصدور قرار إلزامية الفحص الطبي قبل الزواج قبل نحو 10 سنوات، بهدف «حماية المواليد من أمراض الدم الوراثية»، إلا أنها ترى اليوم أن القرار «لا يكفي لمنع ولادة مصابين جدد بهذه الأمراض»، مستندة إلى أنه «ما زال هناك أعداد كبيرة من المواليد الجدد مصابين بهذه الأمراض، يولدون يومياً، ويتوافدون على مراكز أمراض الدم الوراثية في جميع أنحاء المملكة». وتدق المنصور، في تصريح إلى «الحياة» ناقوس الخطر، من معدلات هذه الأمراض في المملكة، التي تعتبرها «من الدول الأعلى نسبة في الإصابة بالأمراض الوراثية، وحمل صفتها الوراثية، وبخاصة «الثلاسيميا» و»المنجلية». ووصلت النسبة في بعض المناطق إلى نحو 30 في المئة، بما يعادل ثلث سكان تلك المناطق. وتتمثل «الثلاسيميا الكبرى» في عدم قدرة العظام على إنتاج الدم، فيضطر المريض لنقل الدم كل 3 أسابيع، طوال العمر، ما يؤدي إلى زيادة الحديد في جسمه، وتراكمه على أعضائه الحيوية، مثل القلب والكلى، ما يؤدي إلى فشلها، ويضطر المرضى لتثبيت مضخة بإبرة تغرس في جسم المريض، لمدة لا تقل عن 12 ساعة يومياً، لطرد الحديد من جسمه ومنع تراكمه. أما مريض «المنجلية» فتنتابه أزمات حادة من الألم، بسبب تحول كريات الدم الحمراء من شكلها البيضاوي، إلى المنجلي، أو الهلال الحاد الأطراف»، ويكون الألم مثل «الدبابيس الجارحة» التي تتحرك في مسار الدم، مسببة له آلاماً حادة جداً، وتعاوده هذه الأزمات بصورة متتابعة لا يمكن تحملها، فيعطى مسكنات مخدرة للألم، قوية جداً، فيعتاد عليها المريض، فتجعله مدمناً، ولا يوجد علاج شافٍ للمرض إلى الآن، سوى إجراء عملية زراعة نخاع العظام التي تُعد خطرة، وباهظة الكلفة، فقد تصل إلى مليوني ريال، فضلاً عن كونها «غير مضمونة النجاح». وترى المنصور، أن معدلات انتشار المرضين في المملكة «مخيفة وتنذر بالخطر، وعندما تواجه المجتمعات عالمياً مثل هذه الأمراض الكارثية التي تُنقل وراثياً، تقوم بإلزام الفحص الطبي لجميع المقبلين على الزواج، وتفرض ضوابط وتعهدات صارمة في حال إقدامهم على الزواج الخطر»، مُعرّفةً الزيجات الخطرة بأنها «التي يكون فيها كلا الطرفين حاملاً لصفة المرض، وتكون النتيجة أطفالاً مصابين بأخطر أمراض الدم الوراثية». وعلى رغم صدور قرار الفحص الطبي قبل الزواج، مطلع عام 1425ه، فإنها تؤكد أنه «من دون فرض ضوابط وقوانين خاصة، يعتبر القرار غير قادر كلياً على حماية المجتمع وأجياله المقبلة، من شر الإصابة»، لافتة إلى الجهود التي تبذل في العيادات الاستشارية، لنصح المصابين بعدم الزواج. وقالت: «ما زال هناك أعداد كبيرة لمواليد جدد مصابين بهذه الأمراض، يتوافدون على مراكز أمراض الدم الوراثية في جميع أنحاء المملكة». ولا يُلزم قرار الفحص طرفي الزواج بعدم الاقتران ببعضهما، لوقاية أطفالهما مستقبلاً. كما هو معمول به في دول أخرى، نجحت في القضاء على المرض كلياً. واستشهدت المنصور، بتجارب دول أخرى، «مرت بمثل ظروفنا مع هذه الأمراض الوراثية، ولكنها فرضت قرار الفحص، ووضعت ضوابط حازمة، تشمل مجموعة من الشروط الجزائية والتعهدات لمن يقدم على الزواج الخطر. وأبرز هذه الدول قبرص التي طبقت القرار قبل 30 عاماً. ومنذ ذلك الوقت لم يولد فيها طفل مصاب، وأصغر مصاب في قبرص عمره 30 سنة». وشددت على أن المواليد يعيشون «معاناة قاسية» نتيجة «ارتباط زوجين يحمل كلاهما المرض، والجميع يعلم نتيجة ذلك لأن الزوج والزوجة وأهلهم يطلعون على نتيجة العيادات الاستشارية. ويعلمون بمستوى الخطر الذي يضعون أطفالهم تحته. كما أن مسؤولي المجتمع يعلمون حجم المشكلة وعواقبها الوخيمة»، مشيرة إلى أن تزايد الإصابة بين الأفراد»يضر بصحة المجتمع واقتصاده وقدراته الإنتاجية، فضلاً عن الأعباء النفسية، لكنهم مع ذلك يباركون هذه الخطوة ويحتفلون بها». وطالبت المنصور، ب «وضع آليات صارمة لمنع حدوث هذه الزيجات، ما لم يتعهد الطرفان باتباع الضوابط الوقائية المطلوبة، لحماية الأطفال، وضمان حقوقهم في العيش بدماء سليمة»، مضيفة أن «عدم إلزام حاملي مرض الثلاسيميا، أو مرضى المنجلية من الزواج من بعضهما، يضعنا في صف من لم يمانع في استباحة دماء الأجنة والمواليد الجدد، وهي مسؤولية مجتمع وسنحاسب على التهاون فيها جميعاً»، رافضة أن «يتحكم الجهلاء من المقبلين على الزواج بمصير أجيال مقبلة، تُستباح دماؤها، وتعيش معتمدة على بنوك الدم، فماذا لو زاد العدد. من أين سنحصل على دماء نقية ولائقة طبياً؟».