غابت مساعي المصالحة والتطبيع مع ارمينيا منذ استسلام رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للضغوط القادمة من أذربيجان، والرافضة التقارب. ولكن مباراة كرة القدم المتوقعة بين تركيا وأرمينيا في مدينة بورصة التركية في تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، تجدد الاهتمام بالمسألة. وبينما تبددت الأنباء في الإعلام التركي والكواليس السياسية عن مساعي المصالحة، تشهد ارمينيا، منذ تلبية الرئيس التركي، عبدالله غل، دعوة الرئيس الأرمني، سيرج سيركسيان الى حضور المباراة في ايريفان في (ايلول) سبتمبر العام الماضي، عاصفة من النقاش حول الموضوع لم تهدأ. واللافت ان كلام المعارضة الأرمنية على مساعي التقارب تشبه، الى حد التطابق، كلام المعارضة القومية التركية المتطرفة على مساعي حكومة اردوغان لحل القضية الكردية في تركيا. فعبارات المعارضتين، هنا وهناك، تلتقي على توجيه الاتهامات إلى الحكومة بالخيانة والاستسلام للطرف الآخر. والعيون والآذان جميعها متوجهة الآن الى الرئيس الأرمني سيركسيان، وانتظار وفائه بوعده، وحلوله ضيفاً على تركيا رداً. وسيركسيان كان اشترط فتح تركيا البوابة الحدودية بين البلدين، وقال ان هذه الخطوة ينبغي ان تسبق زيارته تركيا. وإلا اتهمه متطرفو الأحزاب القومية الأرمنية بالخيانة. وفي المقابل، يحرج إحجام سيركسيان عن زيارة تركيا ارمينيا امام الرأي العالمي الدولي. فتبدو الطرف الذي يرفض التطبيع والمصالحة. ويقوي هذا موقف تركيا امام العالم، والولايات المتحدة خصوصاً. ولا ننس ان العالم صفق لغل عندما سافر الى ايريفان العام الماضي واعتبره رئيساً شجاعاً. فهل يقبل سيركسيان ان يقال عنه خلاف هذا؟ ويبدو واضحاً ان سيركسيان وقع بين فكي كماشة. ولعله هو نفسه من أوقع نفسه. فهو اشترط فتح الباب بين البلدين قبل الزيارة. وحمل هذا بعض الجماعات بأرمينيا الى القول إن المخرج الوحيد من هذا المأزق هو رفض ارمينيا لعب المباراة على الأرض التركية، وطلب لعبها بأرض بلد محايد، أو إلغاء المباراة، على رغم ارتداد الطلب على سجل ارمينيا الرياضي. ومن وجه آخر، تدرك ارمينيا، وهي تلاحظ تطورات المنطقة السياسية، ان زيارة رئيس الوزراء الروسي بوتين الى أنقرة، وتوقيعه اتفاق مد خط الغاز الجنوبي في المياه التركية، وتوقيع اتفاق خط غاز نابوكو في أنقرة الشهر الماضي، من القرائن على ان خطط الطاقة في القوقاز الجنوبي، التي تتولاها روسيا والاتحاد الأوروبي، تنجز بعيداً من ارمينيا جراء عزلتها وخلافها مع تركيا. ونحن نتمنى ان يقدم الرئيس سيركسيان على خطوة شجاعة تحمله على حضور المباراة وزيارة تركيا. فالمصلحة المشتركة تقضي بحل الخلافات بين تركيا وأرمينيا، وإشراك ارمينيا في خطط المنطقة الاقتصادية. ونأمل ان يحضر سيركسيان الى بورصة. فالتحضيرات جارية على قدم وساق. وتسبق المباراة حفلة غنائية مشتركة بين مغنين أرمن وأتراك. * صحافي، عن «مللييت» التركية، 31/8/2009