قللت القاهرة، أمس، من تأثير بيان منسوب إلى جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، أحد أذرع تنظيم القاعدة، دعت فيه المصريين إلى قتال الجيش المصري الذي واصل ملاحقة مسلحين يستوطنون شبه جزيرة سيناء ويُرجّح أنهم على اتصال بتنظيم القاعدة. وفي وقت أعلنت السلطات في سيناء توقيف 11 من «العناصر التكفيرية» من بينهم 5 فلسطينيين، أوقفت أجهزة الأمن في القاهرة اثنين من أقارب زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وأفيد بأنهما كانا في بناية بحي مدينة نصر (شرق القاهرة) وفي حوزتهما أسلحة، قبل أن تأمر نيابة أمن الدولة العليا بحبسهما 15 يوماً على ذمة التحقيقات. ومنذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، قُتل العشرات من عناصر الجيش والشرطة في سيناء خلال سلسلة من الهجمات شنها مسلحون على مواقع ومكامن أمنية، ما دعا القاهرة إلى إعلان «الحرب على الإرهاب» في سيناء. وكثّفت قوات الجيش من وجودها هناك وشنت سلسلة من الهجمات على مواقع يستوطن فيها إسلاميون متشددون. وقتل شرطي برتبة ملازم أول في إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين فجر أمس جنوب مدينة العريش (شمال سيناء). وأوضح مصدر أمني أن الضابط أحمد زين الدين مصطفى أصيب بطلق ناري في الصدر برصاص مسلحين في هجوم على قوة أمنية جنوبالعريش. وجاء الهجوم في وقت دعت جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، في بيان أذيع على شبكة الإنترنت أمس، المصريين إلى حمل السلاح ضد الجيش، ورأت أن «القمع الدموي للمحتجين الإسلاميين يبين عدم جدوى الوسائل السلمية». وقال الناطق باسم الجماعة أبو محمد العدناني في رسالة مسجلة بالعربية «إن جيوش الطواغيت من حكام ديار المسلمين هي بعمومها جيوش ردة وكفر وإن القول اليوم بكفر هذه الجيوش وردتها وخروجها من الدين بل بوجوب قتالها وفي مقدمتها الجيش المصري لهو القول لا يصح في دين الله خلافه». وتابع: «فهذا الجيش المصري الذي هو جزء من هذه الجيوش ونسخة عنها يسعى سعياً مستميتاً لمنع تحكيم شرع الله ويعمل جاهداً لإرساء مبادئ العلمانية والحكم بالقوانين الوضعية». ولفتت وكالة «رويترز» إلى أن العدناني هاجم جماعة «الإخوان المسلمين» وحزب «النور» السلفي لتحبيذهما اللاعنف وما سماه توجهاً علمانياً بلا طائل نحو السلطة من خلال الانتخابات والديموقراطية ما أفضى بأعضاء جماعة الإخوان إلى السجن أو الموت أو الهروب. أما وكالة «فرانس برس» فأشارت إلى أن العدناني قال في الرسالة الصوتية له إن «هذه رسالة إلى أهل السنة بعامة وأهلنا في مصر بخاصة، نحرضنهم على القتال في سبيل الله». وأوضح في الرسالة «أن جيوش الطواغيت قد أذلت المسلمين وعبدتهم لقوانين وضعية شركية ظالمة .. ولولا هذه الحقيقة المرة لما خرجت الشعوب بأيدي عزّل تتحدى رصاص الطغيان». وقال العدناني إن «داءنا ليس الأنظمة الحاكمة إنما القوانين الشركية التي يحكمون، فلا فرق بين حاكم وحاكم ما لم نغيّر الحكم .. فكلهم طواغيت يحكمون بنفس القوانين». وأضاف «فإذا أردنا رفع الظلم ونيل الكرامة فعلينا نبذ القوانين الشركية وتحكيم شرع الله، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالجهاد في سبيل الله». واعتبر أن «الصدام قدر محتوم والدعوات السلمية إلى مزبلة، وقد آن لنا أن ندرك ونقر أن السلم لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً». وقال «لابد لنا أن نصدح في حقيقة مرة لطالما كتمها العلماء، ألا وهي كفر الجيوش الحامية لأنظمة الطواغيت، في مقدمتها الجيش المصري والجيش الليبي والتونسي قبل الثورة وبعدها، وهذا الجيش السوري قد بان كفره واضحاً حتى عند العجائز». وأضاف «أن جيوش الطواغيت من حكام ديار المسلمين هي في عمومها جيوش ردة وكفر وأن القول اليوم بكفر هذه الجيوش وخروجها عن الدين ووجوب قتالها وفي مقدمتها الجيش المصري، لهو القول الذي لا يصح في دين الله خلافه». واعتبر العدناني في رسالته التي تستغرق نصف ساعة أن «الجيش المصري، جيش يحمي البنوك الربوية، حامي حمى اليهود والأقباط والنصارى المحاربين لله ورسوله». وشدد مصدر عسكري مسؤول ل «الحياة» على عزم السلطات المصرية استكمال جهودها ل «مطاردة الإرهابيين وجماعات العنف المسلح التي تسعى إلى زعزعة الأمن القومي للبلاد». وأكد المصدر أن بيان جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام «لن يثني المؤسسة العسكرية عن القيام بدورها في حماية الأمن القومي للدولة المصرية في الداخل وعلى الحدود كافة وبكل قوة». وشدد على عدم التهاون مع «كل من تسوّل له نفسه المساس بسيادة الدولة والسعي نحو إحداث القلاقل داخل الأراضي المصرية». وقال: «القوات المسلحة لن تتوانى، بجانب الشرطة، في التصدي لأي محاولات تنال من أمن البلاد واستقرارها». وكان بيان عسكري أعلن أمس أن قوات الجيش الثاني الميداني ألقت القبض على 37 عنصراً من الجماعات الجهادية والإجرامية خلال عمليات دهم شُنّت على مناطق في شمال سيناء، إضافة إلى توقيف خمسة متسللين يحملون الجنسية الفلسطينية أثناء محاولتهم الدخول إلى الأراضي المصرية عبر المياه الإقليمية. في غضون ذلك، تبرأ تحالف «دعم الشرعية» الذي تقوده جماعة «الإخوان المسلمين» من الدعوات إلى قتال الجيش المصري. وقال الناطق باسم الجماعة الإسلامية المنخرطة في التحالف محمد حسان: «الكل يعلم أن التيار الإسلامي يعتمد المعارضة السلمية لقادة الانقلاب العسكري، سلميتنا أقوى من الرصاص، وهو ما تجلى طيلة الشهرين الماضيين». وظهر مؤيدون للرئيس المعزول محمد مرسي خلال تظاهرات خرجت قبل أسبوعين شاهرين السلاح بشكل علني في قلب شوارع العاصمة، وحمل بعضهم أعلاماً مماثلة لأعلام القاعدة، في حين أطلق بعضهم الرصاص على الأهالي وحاول اقتحام أقسام شرطة وإضرام النار في منشآت وكنائس لا سيما في مدن صعيد مصر. غير أن حسان اتهم أجهزة الأمن بالضلوع في تلك العمليات ل «توريط الإسلاميين»، لافتاً إلى أنه «لم تحصل عمليات عنف واسع النطاق حتى تُلصق بالإسلاميين، على رغم ما جرى معنا»، في إشارة إلى حملة السلطات على مناصري جماعة «الإخوان». لكن حسان نبّه إلى أن ما وصفه ب «إرهاب الإسلاميين» قد يجعل بعض الشباب «يخرج عن السيطرة». وقال: «هذا البيان (الصادر عن الدولة الإسلامية في العراق والشام) ليس له تأثير في شباب التيار الإسلامي وإنما الممارسات القمعية (للسلطات المصرية) قد تؤدي ببعض الشباب إلى الخروج عن السيطرة عندما تصلهم رسالة مفادها بأن لا حل سوى الرضوخ للانقلاب». أما بخصوص حمل بعض العناصر السلاح بالفعل في سيناء وقتلهم عناصر في الجيش والشرطة فيرى حسان أن «أزمة سيناء موجودة من قبل عزل مرسي وحتى خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك .. وهي أزمة معمقة ولها وضعية خاصة لا يجب أن تحسب على التيار الإسلامي». وبينما يتفق الخبير السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو الشوبكي مع حسان في عدم تأثير مثل تلك البيانات في الحالة المصرية، إلا أنه يلفت إلى أن مؤيدي الرئيس المعزول نفذوا بالفعل فحوى البيان من قبل صدوره، حيث «حرضوا» على انشقاقات في الجيش في تصريحاتهم، ناهيك عن قيام بعضهم بالعنف في الشارع. وقال الشوبكي ل «الحياة»: «من المستبعد أن يكون لمثل تلك البيانات تأثير واسع في الساحة باستثناء العناصر المنتمية لفكر القاعدة في سيناء والتي تقاتل الجيش بالفعل». وأضاف: «لكن على عكس ما جاء في البيان أن جماعة الإخوان التزمت السلمية، فإن تصرفات الجماعة خلال الشهر الأخير صبّت في اتجاه البيان حيث حرضت على انشقاق في الجيش ومارست الممارسات نفسها التي تمارسها الجماعات التكفيرية في العراق ربما مع فارق في قدرتها التخريبية»، وهو ما عزاه الشوبكي إلى «تماسك الدولة وعدم تفككها». وقال: «هم حملوا السلاح خلال معظم تظاهراتهم غير السلمية، وهناك تحالف ضمني بين تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان على عكس ما كانت الحال في تسعينات القرن الماضي».