حلمتُ أنني ذاهبٌ في قطار الصباحِ إلى حَلبٍ وطيور القطا خلف نافذةٍ في القطار ترافقني تستديرُ إليّ وتلقمني أنجماً ونسيماً أتتْ به من وراء الجبالِ... وأذكرُ أني مررتُ بحمصَ بسوق القماشِ وعطارها المتواري وراء الأريجِ مررتُ بأشياخها الساهمينَ تدور التبوغ عليهم وشايُ الضحى صاعدٌ من وجاغِ الجُمار مررتُ بنسوتها القاطناتِ جوار الحجار الكريمِ وبين القلائدِ والقهرمانِ وأذكرُ أني جُرحتُ بنايٍ يغني على دكةٍ في حماه يجوبُ الحواري لينفحها زقْوةً من كلامٍ نظيمٍ... وظلّ القطارُ يجرُّ الغُناجَ إلى حَلبٍ ويجرُّ الهوى لكوًى في القلاعِ وأذكرُ أني رأيتُ بباب المغازاتِ في حَلبٍ باعةَ اللوزِ والزنجبيلِ وباعةَ استبرقٍ حَلبيٍّ وثمّة سيّدةٌ ترتدي الوشمَ والهاشميَّ، مطهّمة بالرموزِ وبالخِرَزاتِ الصقيلةِ تسألُ عن شاعرٍ وتقول: هنا قبل ألفٍ تمشّى معي وهنا كان في وَلَهٍ يمتطي الفجرَ والليلَ والفَضَواتِ إنني الآنَ أسألُ عن سيفهِ والصهيلِ وأسألُ عن حانهِ والكؤوسِ الطفاحِ... ولكنها في الأصيل اختفتْ في الزحام وها أنذا عائدٌ في قطار المساءِ من التيهِ للتيهِ... حين تلفّتُّ كانت وراء النوافذِ تلك الطويرةُ جَفلى.