من الصعب تفادي القول بوجود أوهام كثيرة في الأفكار الشائعة حاضراً عن الجينات، ما ينسج خيوطاً متنوّعة بين الجينات والعنصرية إلى حدّ أن بعض المُفكرين (كالفرنسي الراحل جان بودريار) لم يتردّدوا في اعتبارها نوعاً مُعاصراً من فكرة النقاء العنصري («يوجينيا» Eugenia) في الفكر النازي. وإذ تتواتر الأخبار عن اكتشافات علمية تجد صلات بين الجينات وظواهر صحيّة عدّة، يتخافت صوت التحذير من سوء فهم هذه الاكتشافات، وأن الأمراض والقدرات الفكرية والمعنوية والنفسية في الإنسان هي أشد تعقيداً من أن تقلّص إلى مجرد وجود هذا الجين أو ذاك. ويملك هذا الأمر إملاءات متعدّدة، لكنها تغيب عن النقاش العام عربيّاً، مقابل حضورها بقوة في المجال العام للسجالات في دول الغرب. الكونغرس رائداً... أصيب مناهضو التمييز العنصري في أميركا بهزيمة معنوية في ربيع عام 2013، عندما ألغى الكونغرس قانوناً يتعلق بالحقوق المدنيّة للسود، بل أن الإحباط طاول الرئيس باراك أوباما نفسه. في المقابل، ما زال طريّاً في الذاكرة أنه قبيل ضربة «تسونامي الانهيار المالي»، أقرّ الكونغرس الأميركي قانوناً يمنع التمييز على أساس معطيات الجينات. ومنع القانون التمييز على أساس لون الجلد والعرق والدين. وكذلك أتى القانون بالضد من ثقافة التمييز العنصري المتعددة الأشكال، التي تسعى لتوظيف الجينات لمصلحتها. ويُذكّر ذلك بما فعله النازيون في القرن الماضي حين وظفوا علوم البيولوجيا لمصلحة نظرتهم العرقيّة المعروفة التي حملت اسم «يوجينيا» المشؤوم، وهي برّرت التصفيات العرقية ضد اليهود والسود والغجر وغيرهم بدعوى «تخلّف» معطياتهم جينيّاً. وحينها، وصف السيناتور الديموقراطي الراحل إدوارد كينيدي ما أقرّه الكونغرس بالقول: «إنه أول قانون يتعلق بالحقوق المدنية في القرن 21». وقضى القانون عينه بعدم السماح بالوصول المعلومات المتّصلة بفحوص الجينيات لسوى أصحابها والأطباء. ويثير الأمر أكثر من خيال، خصوصاً أنه صدر في السنة التي كُرّسَت للأفارقة-الأميركيين، الذين عانوا آجالاً طويلة من التفرقة على أساس بيولوجي (هو لون الجلد) والتي اتّخذت مدخلاً لربط صفات سلبية بالعرق الأسود. ويرجع السبب في تكريس تلك السنة للأفارقة الأميركيين أنها صادفت الذكرى العاشرة لاغتيال القسّ الأسود مارتن لوثر كينغ: داعية الحقوق المدنية في الستينات من القرن الماضي. وفقاً لهذا القانون، يحظر على أصحاب العمل ونقابات العمال وشركات التأمين الصحي أن تمارس التفرقة على أساس المعلومات الجينية. وغالباً ما تفيد تلك المعلومات عن وجود تأهيل لدى الأشخاص للإصابة بمرض ما في المستقبل، وإن بطريقة غير قاطعة. ومنع هذا القانون أيضاً شركات التأمين الاستناد إلى المعلومات الجينية كي ترفض منح التأمين أو رفع أقساطه بالنسبة لأشخاص يتمتّعون بصحة جيّدة. وينطبق الوصف عينه على مسائل مثل التوظيف والإقالة والتعويض. وقضى القانون أيضاً بعدم السماح لشركات التوظيف إجبار الأشخاص المتقدمين للتوظيف بإجراء فحوص جينية. ولم تكترث بهذا القانون البرلمانات العربية على رغم «غرام» بعضها بتقليد الرطانة الأميركية في القانون، لكنه يبتعد عن العمق الديموقراطي لتلك البلاد. ويعاني العالم العربي من التمييز بأنواع مختلفة، لعل أبرزه ما يضرب المرأة. وكذلك تضرب العنصرية في قلب الثقافة العربية، خصوصاً النظرة إلى أصحاب البشرة السوداء.