تواجه الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان تحديات ومخاطر جراء مشاركتها في ضربة عسكرية محتملة بقيادة الولاياتالمتحدة ضد سورية. وعلى رغم حماسها للضربة فإن ثمنها وتداعياتها على السياسة والاقتصاد سيكون سلبياً. سياسياً تواجه الحكومة حرجاً لرفض المعارضة مشاركة أنقرة في الضربة ما يجعل حصول الحكومة على اذن البرلمان لمشاركة القوات التركية في الحرب أو السماح لقوات اجنبية باستخدام الاراضي التركية أو قواعدها العسكرية أمراً صعباً. يُشار إلى أن البرلمان رفض العام 2003 طلباً مشابهاً لحكومة حزب العدالة والتنمية للاشتراك في الحرب ضد صدام حسين، ما يدفع الحكومة الحالية إلى القول إن لديها إذناً من البرلمان لا يزال صالحاً منذ العام الماضي بعد إسقاط الطائرة التركية، وأنه لا ضرورة لتجديده، بينما تُصر المعارضة على استصدار إذن جديد. وقد يؤثر هذا الاستقطاب السياسي القوي سلباً في شعبية الحكومة قبيل الانتخابات البلدية المقبلة التي قد تكون مفصلية في مستقبل الحزب الحاكم، خصوصاً إذا ما أدت الضربات العسكرية إلى نتائج سلبية على الأرض في سورية، كما تحذر المعارضة من رد انتقامي محتمل من إيران أو سورية بعد الضربة يتمثل في تحريك فصائل كردية مسلحة في سورية لتنفيذ عمليات داخل تركيا لتفجر مسيرة الحل السلمي المتعثر أصلاً لحل القضية الكردية، ويعيد دائرة العنف وبشكل أقوى وأكثر دموية هذه المرة. وتقف حكومة أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو أمام مفارقة تاريخية، فهو الرجل الذي سعى إلى رفض المشاركة في حرب العراق بحجة أنها جاءت خارج إطار قرارات مجلس الأمن، لكنه اليوم يجد نفسه في موقف مناقض تماماً مع دعمه لضربة عسكرية خارج إطار مجلس الأمن أيضاً، ما يفاقم الانتقادات له ويزيد من الاتهامات بتخليه عن سياساته السابقة المتعلقة بتصغير المشاكل مع الجيران وتفضيل السياسة الناعمة والديبلوماسية على الحلول العسكرية والأمنية. ولا تجد الحكومة دعماً من الشارع للضربات العسكرية، إذ إن الشارع المؤيد لدعم الحكومة المعارضة السورية ينظر بعين الريبة إلى تحركات واشنطن ولندن ويتساءل عن سبب هذا التحرك الآن وتوقيته. وردد كثيرون على «تويتر» عبارة «إن قول الغرب بضرورة معاقبة النظام السوري لاستخدامه الكيماوي تعني إبلاغ الأسد بإمكان قتل مئة ألف سوري أو اكثر لكن لا تستخدم الكيماوي في ذلك». اقتصادياً يبدو المشهد أكثر تعقيداً مع دخول الاقتصاد التركي عنق الزجاجة بسبب ثورات الربيع العربي وخلافاته السياسية مع بغداد ودمشق التي قطعت عليه طريق التجارة الحيوي مع دول الخليج، لتنضم مصر الآن إلى الدول التي تعطل تجارة تركيا مع جيرانها بعد الخلاف السياسي الشديد بين أنقرة والنظام السياسي الجديد الموقت في مصر، كما أن تهديد بعض دول الخليج بتعليق استثماراتها في تركيا نتيجة دعم أردوغان لتنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر وتوجيه انتقادات إلى عواصم خليجية لدعمها النظام الحالي، ناهيك عن ارتفاع أسعار النفط بسبب الأزمة السورية، ما أدى إلى ضربات قوية للاقتصاد التركي على رغم متانته، وأكبر دليل على ذلك تراجع سعر صرف الليرة بشكل متتالي منذ بداية الأزمة السورية وهي فقدت خلال عامين نحو ربع قيمتها، وازداد هذا التراجع بشكل كبير في الأسابيع الماضية، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى ليرتين تركيتين، ما قد ينعكس ارتفاعاً في الأسعار ومعدلات التضخم. وتعترف أطراف مقربة من الحكومة التركية بسلبية التداعيات لمشاركتها في ضربة عسكرية ضد سورية وتقول إن الحكومة تسعى لإخفاء حجم مشاركتها الحقيقي أو الاكتفاء ب «مشاركة شرفية» كالدعم اللوجستي لخفض التداعيات وحجز مكان في أي اجتماع مستقبلي لحل الأزمة السورية سياسياً. لكن يبدو أردوغان بلا خيار سياسي بديل عن دعم الضربة العسكرية، بعد شعوره بخسارة مصر، ويقول مقربون منه «إنه لا يريد خسارة سورية أيضاً».