المعارضة كبيرة في الغرب للضربة المقبلة على مقرات النظام السوري. لا يريد المواطن في الدول الغربية التورط في صراع آخر لا يفقه شيئاً فيه. مرارة العراق وأفغانستان ما زالت في حلق المؤسسات السياسية والعسكرية. هناك من حذّر من أن الولاياتالمتحدة، بقصفها بعض مواقع النظام، ستكون انتقلت إلى القتال في خندق «القاعدة» بما أن بشار الأسد يعلن ليل نهار أنه يحارب «التكفيريين» والإرهابيين، مشيراً إلى وحدة المصلحة مع الغرب في الصراع الذي يخوضه من جهة، وعلاقة «الحب- الكراهية» التي تهيمن على تفكيره بإزاء الغرب، من جهة ثانية.ويذهب آخرون إلى أن العملية العسكرية لن تكون سوى تبرئة لضمير النخب الغربية النرجسية التي استاءت من صور أطفال خنقهم الغاز السام، من دون أن يكون في حساب الحكومات المشاركة في الضربة تغيير النظام أو حتى إنزال عقاب رادع به. وسيتيح ذلك لسياسيي الولاياتالمتحدة وحلفائها متابعة مشاهد القتل اليومي للسوريين، بضمير مرتاح، بما أنهم فعلوا ما في وسعهم لوقف «الأعمال الوحشية» التي ترتكبها حكومات متخلفة بحق شعوب أكثر تخلفاً. ثالثة الأثافي، ما ذُكر عن حرب صغيرة لا تزيد كلفتها على 140 مليون دولار، تتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية الأميركية واقتراب موعد «إغلاق الحكومة» بسبب الهوة المالية. تتلاقى هنا العناصر النرجسية والمركنتلية مع ضرورة حفظ ماء الوجه مقابل ديكتاتور دموي انتهك قواعد اللعبة التي يراقبها العالم من دون كبير اهتمام. كل هذا أو جلّه صحيح. ومن السذاجة الاعتقاد أن الأميركيين والحلفاء سيؤدون دور القوات الجوية التابعة للجيش السوري الحر وأن ينفذوا مهماتهم واضعين الاعتبارات الميدانية والسياسية للثوار في مقدمة جدول الأعمال. فالضربة تخدم المصالح والاعتبارات الأميركية والغربية أولاً وأخيراً. في المقابل، تقتضي الواقعية السياسية القيام بالتمرين الآتي: بعد الإقرار بكل ما سبق، وربما غير ذلك من المعطيات غير المنظورة، كيف ستستفيد المعارضة السورية من الضربة المقبلة، ما دامت ستقع بغض النظر عن الدوافع المباشرة والآنية. بكلمات ثانية، نحن على عتبة تطور رئيس في الثورة السورية. ما زالت عواقبه غير واضحة. لكن من الأهمية بمكان عدم إضاعة الاحتمالات التي يفتحها في سبيل دفع الثورة خطوات إلى الأمام نحو تحقيق مكاسب جديدة وتكريس ما أنجزته حتى اليوم، وهو ليس بالقليل. وبغض النظر عن إعلان النظام السوري «انتصاره» المنتظر على «العدوان الإمبريالي»، وهي سُنّة طغاة هذه المنطقة وديدنهم منذ «الانتصار» على عدوان 1967 والذي تمثل ببقاء «الأنظمة التقدمية»، فإن المعارضة السورية مدعوة إلى تحويل هذا الهجوم إلى زخم سياسي وعسكري وإعلامي. قد تكون الخطوة الأولى في المجال هذا التأكيد على الأسس الذي انطلقت الثورة منها: إنها محاولة المجتمع السوري استعادة ذاته من شدق الوحش المافيوي- الطائفي. خلاصة الموقف ليست في تردد أوباما ولا في اعتراض حزب العمال البريطاني ولا في تدفق النفط أو في أمن إسرائيل. المسألة، كل المسألة في الموقف من نظام أباح لنفسه إبادة مواطنيه ونقل أزمته إلى الدول المجاورة مخرجاً نفسه من أي مفهوم للسياسة أو الحكم وحتى للتعامل البشري والحضاري. الخطاب الأخلاقي عن الحفاظ على البلد وإدانة العدوان الغربي و «الالتفاف حول الوطن»، يبدو متهافتاً إلى أن يلتقي في نهاية المطاف مع تبرير جرائم القاتل، شاء المروجون له ووعوا ذلك أم جهلوا.