ناصر جماي فنان فرنسي من أصل جزائري تعلم أصول الدراما في لندن وفي مدينة بيرمنغهام حيث أضاف دراسة الحركات الرياضية وفن المعارك في المسرح إلى التمثيل الكلاسيكي. بدأ العمل ممثلاً على خشبة مسرح ألميدا اللندني المرموق تحت إدارة المخرجة المعروفة هيتي ماكدونالد. وبعدما عاد إلى مسقط رأسه فرنسا، كثّف نشاطه المسرحي ومشاركاته في أعمال كلاسيكية لمخرجين مهمّين. وعندما اختمرت التجربة، قرر امتهان التأليف والإخراج إضافة إلى التمثيل. وكان النجاح حليفه منذ النص الدرامي الأول الذي كتبه بعنوان «نجمة لعيد الميلاد»، إذ حاز جائزة مرموقة في مدينة النور. وسرعان ما حوّل جماي هذا النص إلى مسرحية من إخراجه. شعر جماي برغبة ملحّة في استثمار موهبته كمؤلف وسرد حكايات المغتربين الجزائريين في فرنسا والعودة إلى الجذور والتطرق إلى حرب الجزائر وما تلاها من أحداث. وهو موضوع من النادر جداً أن يتناوله المسرح الفرنسي، نظراً إلى الحساسية التي يثيرها لدى الفرنسيين. نصحه الأصدقاء والفنانون بنسيان الموضوع «لأنه من المستحيل أن تعثر على فرصة لتقديم مسرحية من هذا القبيل في فرنسا». لكن الفنان العصامي، كانت عزيمته تزداد على التطرق إلى الموضوع كلما نصحه الناس بالابتعاد عنه. فكتب مسرحية «غير مرئيين» الجريئة التي تتناول هموم المغتربين العرب لا سيما الجزائريين منهم، في بلاد بيار كورنيه. وبعد الكتابة أتت مرحلة التحضير المسرحي والعثور على الإمكانات المادية الضرورية. ونجح جماي في إقناع إدارة المسرح الوطني في مدينة غرونوبل في شرق فرنسا بمساندته وتولي مهمة الإنتاج، إضافة إلى استقبالها العرض في صالتها الكبيرة. وبقيت مهمة الإخراج، فبدأ جماي يبحث عن ممثلين مقيمين في فرنسا يتمتعون بالقدرة الدرامية الضرورية على المشاركة في مسرحيته، إضافة إلى إجادتهم اللغتين الفرنسية والعربية باللكنة الجزائرية. وبعد ثلاثة أشهر من البحث، اختار كلاًّ من عز الدين بوعياد واليونس تزايرت وقادر قدا ومصطفى ستيتي وأنجلو أيبار للأدوار العربية، إضافة إلى دافيد أريب لأداء الشخصية الفرنسية الوحيدة في المسرحية. تدور أحداث المسرحية على شرفة أحد المقاهي الفرنسية حيث يلتقي دورياً خمسة رجال تربط بينهم جذورهم الجزائرية وأعمارهم المتقدمة. ويمضي هؤلاء المسنون الوقت في لعب الورق والشطرنج، والأحاديث وسرد النكات والضحك والتعليق على مظهر الأشخاص الذين يمرون أمامهم، وبخاصة النساء. ويتذكرون خلال جلساتهم المطوّلة ما الذي أتى بهم إلى فرنسا إثر حرب الجزائر في ستينات القرن الماضي، وكيف تركوا عائلاتهم في الوطن من أجل بناء مستقبل أفضل في الغرب، على أن يستقدموها لاحقاً. إلا أن الأمنية لم تتحقق، ليجدوا أنفسهم في سن التقاعد مجبورين على البقاء في فرنسا، كي يقبضوا معاشهم الشهري التقاعدي، بينما تظل العائلات في الجزائر. هذا الوضع تغيّر الآن في الحقيقة، إلا أن جماي اختار التركيز في نصه على الفترة التي كانت الدولة الفرنسية فيها تعامل العمّال المغتربين معاملة قاسية. وفي المسرحية ابتكر جماي شخصية شاب فرنسي يلتقي الرجال الخمسة ويسألهم عن مشوارهم في الحياة. الأمر الذي يبرر دخول كل واحد منهم تفاصيلَ تاريخه الشخصي في إطار التاريخ الرسمي للعلاقات بين فرنساوالجزائر، ما يجعل حبكة المسرحية متماسكة في خطّها الدرامي التاريخي. وبعدما نالت المسرحية إعجاب النقاد والصحافيين، والإقبال الكثيف الذي حققته في غرونوبل في العام 2011، وفي باريس على مسرح «رون بوان» في العام 2012، سيستقبلها مسرح «13» في العاصمة الفرنسية بعد عطلة الصيف. لتبدأ بعدها جولة أوروبية وعالمية في 2014.