شذرات ليس بمقدورك أن تكرر النسيان نفسه وتتحمل وحدك مخاض الذكرى. أبي.. لا أتذكر عنك إلا القليل، لكنك في وجوه الناس كلهم. لا أريد أن أتظاهر بأنني أكثر فصاحة من الجحيم. ليست لدي حماسة لعقد صفقة مشبوهة مع العالم. فقير كل من يتسول النشوة ويستند على حائط الظلمة. بعد سماع نشرات الأخبار ترشح شاشة التلفاز دموعاً سوداء وغازات سامّة وجثثاً تملأ أرضية الغرفة! نعم، هي الأرض تحفظ أسرار المطر مثلما يحفظ الفلاحون حكايات الحقول. ها أنت تصعد درجات العزلة بوجه ضجِر.. إنها بسملة المهازل. الليل قصير جداً، حرفان ليّنان وياء لا تستوعب تعب الظهيرة. أمي.. حتى بعد الموت لا تزالين أول من يستيقظ في البيت وآخر من يأوي إلى الفراش! بقوة يقبض الجدار على ذراعي الباب، ورعشة خفية تغمر جسديهما. نشاهد ذلك، من دون أن نغمض أعيننا أو نخجل! العيد، شهقة حقل في خلاء بعيد. وحدها بيوت الفقراء تبدأ الثرثرة الصاخبة مع العيد من دون أن ينتبه لذلك أحد! الجنون يحرر الطاقات ويطلق كوامنها الخفية. أبي.. لا تغضب، لم أزل أقل كفاءة أمام النزوات الباسلة! ظمآن.. لكن وجعي ماؤه مالح. الكلمات الفضفاضة أشبه ببنادق صيد معلقة على الحائط، لكثرة رؤيتها أصبحتْ لا تثير الرعب في أحد! هذا الصرير المتواصل للأبواب ربما يصيبها بالهذيان. رفقاً بها. ما لم تتحرر من الخوف لن تقبض على اليقين! قسوة الليل والوحدة أشد من قدرة الأبواب على التحمل. أمر محزن ألا يكون لها مكان آخر. الأرق.. رجل عجوز يثرثر بلغة مطمئنّة. ليس بالضرورة أن يكون الشرير قبيحاً. الطفولة ثروة من الألوان الحميمة، يتأجج ألقها بالكتابة. هناك أشياء كثيرة لا يمكن للمطر أن يغسلها! تعرية الذات الخطوة الأولى في الطريق للوقار. الفجر.. الفصل الأخير من رواية الليل الفنتازية. أجل، لقد وقع جسدي في فخ الأرق المتوحش، ولم أكن مستعداً كما يجب. أبي.. لا أريد إيقاظك في ضريحك الآن، لكنه نصل رهيف يغوص في عظمي، اسمه الذكرى. الحياة والدنيا مفردتان أنثويتان، والموت والردى مذكّران! انحياز سافر من اللغة الأنثى. الليل رمز للعلاقة الملتبسة بالممرّات والأبواب. العيد أخذ على نفسه عهداً بألا يراه أحد، غير من يكون الضوء أقرب إلى قلبه مما مضى. لا شيء يلوح في هذا الطريق الطويل، يستفزّ البصر والبصيرة! لليل ارتباط حميم بالكبت. على رغم عينه الثاقبة وهياج بلاغته لم يتعرّف على وجهه حتى مع مرور كل هذه الأوقات. أيتها العزلة.. يكاد صمتكِ يضيء! لستُ متيقّناً من شيء، الطفل الذي كانت تفتنه الخرافة، لا تزال طيور السأم تتغذى على ذاكرته!