محاولة أولى للصمت سأغفل عن دمي عن حنين أضلعي للنهايات وعن وشوشة الأشياء الصغيرة بيننا عن الكلمات إذ تخلت عن حذرها فخلعت رداءات الريبة في دفتر الحظ وعن نصوص اكتملت في استدارة الشفتين وعن الدمع يسرف في الاغتسال بالسهو وعن التفاصيل تجرح الذاكرة وعن الحلم يغزل خيوطه كبيت العنكبوت ورعشة الأمنيات في اليتم وعن اللهفة تنخر عظامي كدودة القز وعن الليل إذ يطرق بابي بإلحاح طفل شاهد وجه الشيطان في الحلم أو مسافر أرعفه الشوق أو فاجأه المطر وعن هديل الحزن في أحرفي كنوتة من رضاب الموتى أو سكرات لنوح الغريب سأرشق عصياني بالندم وأجرح كرامتي بالغياب وأنزف أحلامي كشجرة اللبان بشهوة صمت وسأرتق ثقوبي الكثيرة بابتسامة أمي حين الدعاء وبصوت أبي تخنقه العبرات وبرائحة البحر إذ يرعشه وجد المساء للذكريات وأرسم مكاني ظلاً بلا أهداب وبدمعة حمراء محاولة ثانية للموت سأستفيض فيك وفيّ في ظلام اليأس وفي عافية الموت سأطرز ثوب الحقيقة بمنمنمات الغياب ولن أبكي حين يغرغر الطائر من لهفته حين يرقص ويغني وهو يموت بل سأعتكف على اللغات كي أطفئ ما تبقى من حنينها المازوشي وكي أسرد للأطفال الذين يرهفون السمع بيننا عن الحكايات الكثيرة لليل عن بهو المسافات وشمعدانها الفضي عن سرادقات الحفظ في الكلمات وفي صناديق الهواتف النقالة عن تفاصيل الأصابع تنثني كالرخام وعن الكلام الكلام الكثير المطعم باللازورْد والأحجار الكريمة الكلام المتشكل باقات ورداً، وشموعاً، وذكريات الكلام المرسوم في محيا طفلة خرساء وأم مرهقة من الشكوى الكلام المتساقط كالمطر على الطرقات والمكاتب والأسرة والفرش والمعلق بمشابك ودبابيس صغيرة بين السماء والأرض الكلام الذي ينبت في الغيم وفي أصص صغيرة على محيط الدمعة المتلألئة بالفرح وسأدفن القلب في دمعة كبيرة كي يغفو وحيداً أو يغتسل سأدندن باللحن الذي نما على شفتين كوردة القُبَل وسأذبل عند حواف الحزن كالطفولة وسأنام عند ناصية السهاد عارية من الخوف فلم يعد بعد ما أخاف عليه.