أعطى الإعلام حيزاً كبيراً لقضية خبير المعلوماتية إدوارد سنودن الذي فجر قضية سياسية كبرى عندما كشف وجود برنامج «بريزم» للتجسّس الإلكتروني الشامل الذي تشرف عليه «وكالة الأمن القومي» الأميركي. ولفتت قضية سنودن خبير معلوماتية فائق الشهرة، سبق أن فجر فضيحة سياسية مماثلة، هو جوليان أسانج صاحب موقع «ويكيليكس» WikiLeaks الشهير. وفي العام 2010، ذاعت شهرة «ويكيليكس» إثر نشره عشرات آلاف من الوثائق السريّة لوزارة الخارجية الأميركية. وربط كثيرون بين الفضيحة التي فجرّها سنودن وبين ما فعله «ويكيليكس» قبله، بل إن البعض رأى في فعلة سنودن امتداداً لتأثير «ويكيليكس». البداية: صحافة الاستقصاء لا يتردّد أسانج في وصف نفسه بأنه صحافيّ، بل شبه عمله في موقع «ويكيليكس» بأنه نموذج عن الصحافة الاستقصائية في القرن ال21. ثمة من يعمل في موقع «ويكيليكس» بعقلية الصحافة الاستقصائية فعلياً. وتعطي سارة هاريسون نموذجاً عن هؤلاء. وقبل سنوات، لم يملك غافن ماكفادين مكتباً واسعاً بصورة كافية ليحقق أفكاره عن الصحافة الاستقصائية، بل فكر أيضاً في أنه كان بحاجة إلى مزيدٍ من الأشخاص. فقد كان الأميركي الذي يدير مؤسسة فكرية تُعنى بالصحافة الاستقصائية يُشغّل ثمانية موظفين محشورين في مكتب ضيّق نسبيّاً في لندن. وانشغل هؤلاء بمحاولة نشر استقصاءات حول المخالفات في إحدى الشركات المتعددة الجنسية. ثم دخلت سارة هاريسون إلى مكتب ماكفادين. وفي غضون بضع سنوات، أصبحت هاريسون (31 سنة) التي نسجت علاقات شخصيّة مع مؤسس «ويكيليكس»، هي المرأة الغامضة التي أُرسِلَتْ بغية تهريب الخبير المعلوماتي سنودن، من هونغ كونغ إلى موسكو، على أمل بأن تساعده هذه الخطوة في الإفلات من السلطات الأميركية. ولكن، في أواخر العام 2009، كانت هاريسون شابة متحمسة عمرها 27 سنة، تقدمت للحصول على فترة تدريبية غير مدفوعة الأجر في مكتب ماكفادين. وكانت هاريسون تفتقر إلى الخبرة، بيد أن ماكفادين أفاد بأنه رأى في عينيها بريقاً دفعه إلى ضمها إلى فريق عمله، ما شكّل فرصة وضعت هاريسون على طريق مقابلة أسانج، ثم التدرّج للوصول إلى الحلقة الداخلية الضيّقة المحيطة بأسانج. وبفضل توصية من ماكفادين، بدأت هاريسون العمل مع «ويكيليكس» في آب (أغسطس) من العام 2010. وتمحور علمها حول التدقيق الداخلي في وثائق أميركية سريّة سرّبها الملازم أول في الجيش الأميركي برادلي مانينغ، ونشرها موقع «ويكيليكس» لاحقاً. وأفاد شخصان مطّلعان على الوضع مباشرة، تحدثا شرط عدم الكشف عن هويتهما، بأنه في وقت من الأوقات من ذلك العام، بات أسانج وهاريسون مقربين للغاية. ولكنهما لفتا أيضاً إلى أن العلاقة بين هذين الشخصين لم تشكّل الدافع الأول الذي حثّ هاريسون على مناصرة قضية «ويكيليكس». ويعتقد الأشخاص الذين يعرفون هاريسون أنّها تطورّت بفضل إرشادات أسانج، فتحولت من متدربة حالمة إلى مدافعة ذكية عن الإفشاء العام وغير المحدود للأسرار الذي يُعرف به موقع «ويكيليكس». صعوبة القراءة في طفولتها، نشأت هاريسون في كنف عائلة بريطانية مرموقة، إذ يدير والدها شركة للبيع بالتجزئة، في حين أن والدتها متخصّصة في معالجة صعوبات القراءة «ديسليكسيا». وفي مقابلة هاتفية وجيزة، ذكّر والدها إيان هاريسون (74 سنة) بأنه لا ينوي ذكر تعليق إضافي حول أفراد عائلته وحياتهم الشخصية، لافتاً إلى تجارب سيئة حصلت مع الصحافة الصفراء البريطانية. ومع حلول العام 2011، سطع نجم هاريسون في «ويكيليكس» وأصبحت «حارسة باب جوليان»، وفق وصف بعض العاملين في الموقع. ونابت عنه في مؤتمر صحافي ل «ويكيليكس»، بدت خلاله لطيفة وواثقة من نفسها. وفي محادثة مع مُراسلَيْنِ من صحيفة «واشنطن بوست» في آب 2011، في نادي «فرونت لاين كلوب» للصحافيين في لندن، أقدمت هاريسون، التي كانت تجلس آنذاك مع أسانج وبدت وفيّة للغاية له، على انتقاد مؤسسة إعلامية شعرت أنها خانت ثقة أسانج. ولمع اسمها أكثر بعد نجاحها في تهريب سنودن من هونغ كونغ إلى موسكو، ما أعقبه تفجر أزمة دولية واسعة. وعلى رغم أن هاريسون لم تشتهر بفضل أعمال تتصل بالعالم الافتراضي وشبكاته بصورة مباشرة، لكن الآفاق التي ترتسم بين «ويكيليكس» وسنودن ربما أثرت على مسار الإنترنت ومستقبلها بصورة حاسمة. سارة هاريسون