حالة فريدة من التحرر من قيود المنطق وأغلال الوعي ونمطية اللقطة، اتفق على إرسائها خريجو مركز «رؤية للفنون» في معرضهم الأخير في الإسكندرية «خارج الصندوق» الذي يبحث في ظاهرة التفكير الإبداعي. وحاول الفوتوغرافيون الشبان الخروج عن نسق الصندوق، بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات أيقونية، كالخروج عن صندوق الأفكار، والنظريات والتقليد والأدوات، وقد يكون خروجاً عن صندوق الكاميرا ذاتها. مارس المشاركون حالة من التآلفات الخيالية الكامنة في الخروج، اخترقوا من خلالها النسق العام السائد للوحة ومنطوقها البصري واستحضروا شخوصاً وكائنات وانعكاسات حية بمعادل تشكيلي قائم على فلسفة الرؤية كفن تجرد من إشكاليات المدارس الفوتوغرافية التقليدية وقيودها، بحيث تتعرى الكتل من ملامحها التقليدية لتندس بأزليتها وفعلها المندمج لتحقق الكثير من المعاني والتفسيرات والتأويلات الفريدة أو الغريبة والطريفة في فضاء الصورة. إيقاع توضح المصورة نجلاء سعد الدين أن المعرض عبارة عن مجموعة من المشاريع الجماعية الإبداعية ذات المنطوق الفلسفي، ويتخذ كل فريق من فضاء الصورة مسرحاً للأحداث التي تؤججها أو تلخصها وترمّزها عدسة الكاميرا، وفقاً لفلسفة معينة قائمة على الحواس، «فنحن نشم ونسمع ونلمس، ما يطيح القوالب والأنماط التقليدية الفوتوغرافية بحثاً عن خصوصية كل منا وهويته». قدمت نجلاء وفريقها مشروع «إيقاع»، وتضمن مقارنة طريفة بين إيقاعات حركة الأشياء، فدرس الفريق إيقاع خطوات فئات من البشر تنجم عنها طاقة ديناميكية تتضاد مع الطاقة «الاستاتيكية» لملامس الأرض المختلفة، وتختلف سرعة الخطوة وفق مواد تكسو الأرض ووفق حجم الشخص ذاته. فإيقاع خطوات الرجل يختلف عن خطوات المرأة، أو عن قفزات الطفل، ويختلف إيقاع خطوات التلميذ في طريقه الى المدرسة عن إيقاع خطوات الموظف، عن إيقاع خطوات ربة منزل، أو إيقاع خطوات عامل البناء. وتقول نجلاء: «ما يمثله المشروع هو إيقاع الحياة بكل ما تحمله من صخب لوني وهيمنة للتفاصيل والتيمات والتكوينات التي يمكن تسجيلها في لقطة إبداعية ذات مغزى فلسفي». «ندية خزعبلية» تناولت الفوتوغرافية نهى أحمد وفريقها المكون من نهى فكري وياسر والهندية كونشى سنا في مشروعهم وعنوانه «ندية خزعبلية»، المنظور الفلسفي المتعلق بنظرة كل منا إلى الأشياء. تقول نهى: «يتناول المشروع بصورة غير مباشرة أحوال مصر بعد الثورة»، ولا تنكر وجود الفساد والسلبيات، إلا انها ترى أنه ما زال هناك الكثير من الإيجابيات التي لا بد من إبرازها حتى تبدد قتامة المشهد. وتوضح: «لا يجوز أن ننظر إلى كل الأشياء من منظور سلبي، ونحن من يحدد جانب الكوب الذي سننظر إليه». وتضيف: «ما زالت لدينا القدرة والأمل على تخطي الصعاب». وعن «ندية خزعبلية» توضح أن المشروع «يتناول حالة عدم التوازن التي كلما حاولنا أن نضبطها نجد الكفة تعود إلى التمايل، ما جعلنا نضع تمثال الجالس فوق كرة دليلاً على عدم التوازن». وتضيف: «عندما تنظر الى الكرة تجد الحالة آخذة بالتأرجح بين السلبية والامل»، موضحة أن «اللقطة الفوتوغرافية قائمة على ثلاثة ألوان، الأحمر والابيض والأسود، بما يُخبر المتلقي رمزياً عن مصر. قصدنا أن يكون الجانب الأبيض هو الاكبر وأن تكون اليد المفتوحة والمشيرة الى أعلى هي في الجانب الأبيض، بينما اليد التي تشير الى أسفل تكون في الجانب الأسود الذي يشغل حيزاً صغيراً من اللوحة، فما زال هناك امل على رغم السواد الذي نحيا فيه». وتقول نهى فكري: «الندية الخزعبلية قائمة على النسب، فنسبة كل عنصر في اللوحة تماثل نسبته في الحياة، وهذا وفقاً لرؤية كل منا وإدراكه وفلسفته طبقاً لأيديولوجياته واقتناعاته»، لافتة إلى أن الأشياء «لا تؤثر فينا بل نحن من نؤثر فيها ونتأثر بها. كل انسان يحدد ما سيطغى على الآخر، الخير أم الشر، فتلك الامور كلها لا تخرج عن إطار النسبية، وكل منا يمكنه أن يزن أموره وفقاً لاقتناعاته». من الاعمال اللافتة في المعرض، رؤية محمد وفريقه وتتبعهم اللوحات الإعلانية التي تحمل أسماء المحال القديمة وأنواع الخطوط المختلفة ومهارة الخطاطين الذين لم يوقعوا لوحاتهم لتخلَّد أسماؤهم للأجيال التي تليهم.