ما زال لغز اختفاء رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ستة أيام منذ عيد الفطر يشغل زوايا كُتّاب التخمينات السياسية في تركيا، بما رافق ذلك من تكهنات بدخوله المستشفى للمرة الثانية هذا العام نظراً إلى معاناته من داء في المعدة. لكن مقربين من «حزب العدالة والتنمية» الحاكم عزوا غياب رئيس الوزراء إلى انشغاله باجتماعات حزبية سرية لإعداد خطة مبكرة للانتخابات البلدية المقررة في آذار (مارس) المقبل، والتي تُعتبر أهم وآخر معاركه الانتخابية على رأس حزبه، إذا قرّر الترشح لانتخابات الرئاسة المرتقبة في تموز (يوليو) 2014، وغادر حزبه كما أشار مراراً. وستُشكّل تلك الانتخابات أول مقياس لشعبية أردوغان وحزبه، بعد احتجاجات ساحة «تقسيم» والانتقادات العنيفة لسياساته التي تعتبرها المعارضة «قمعية وديكتاتورية» في ما يتعلق بحرية الصحافة والتعبير، وكذلك سياساته الخارجية الأخيرة الداعمة للتنظيمات الإسلامية في الشرق الأوسط، من «الإخوان المسلمين» إلى تيارات إسلامية مسلحة تقاتل ضد النظام في سورية. لذلك يرى متابعون لمسيرة أردوغان أن تلك الانتخابات ستكون مسألة «حياة أو موت» سياسي بالنسبة إليه، مرجحة أن يستخدم فيها كل أنواع الأسلحة السياسية. إذ سيشكّل تراجع أصوات حزبه نكسة لسمعته وصورته قائداً يسعى إلى الترشح للرئاسة. وكان «حزب الشعب الجمهوري» الأتاتوركي المعارض حذر الحكومة من اتخاذ قرارات تثير شبهات حول سلامة الانتخابات البلدية، بعد تعديلات قانونية خفّفت الرقابة على البلديات والتدقيق المالي. كما أعفت الحكومة بلديات من ديون أو أعادت جدولتها، وبينها بلدية أنقرة الكبرى التي يديرها الحزب الحاكم، وتجاوزت ديونها بليون ليرة تركية (نحو 450 مليون دولار). ويتيح ذلك للبلديات «التابعة» للحزب، الإنفاق بإسراف على الحملات الانتخابية ومشاريع الخدمات، في الأشهر الستة المقبلة. ونفت الهيئة العليا للمحاسبة والتدقيق وجود قرار بوقف رقابتها على البلديات، لكن المعارضة تتهم الهيئة بالتركيز على مراقبة بلدياتها، مكتفية بتكليف عدد ضئيل من المفتشين متابعة موازنة بلدية مثل إسطنبول، حجمها ضعف موازنات وزارات مجتمعة. وكان «العدالة والتنمية» وزّع هدايا ومعونات شتاء (فحم وبطانيات وأجهزة تدفئة كهربائية) مجاناً على ناخبين قبل الانتخابات البلدية الماضية، ما أثار انتقادات من المعارضة التي اتهمت الحزب الحاكم بشراء أصوات. وسُدِّدت أموال تلك المعونات من خزينة الدولة، لا من خزينة الحزب الذي وزّعها على محافظين يُفترض بهم الحياد، وباسم الدولة لا الحكومة، لكن معظم «المعونات» أُرفِق بمنشورات دعائية لمرشح الحزب الحاكم. وتتوقع مصادر في الحزب أن يرشّح أردوغان بعض أهم وزرائه، للبلديات الكبرى، من أجل نيل أعلى نسبة من الأصوات. لكن أهم وأصعب تحد يواجهه أردوغان هو تخلي جماعة فتح الله غولان (النورسيين) عنه بل عملها ضده، بعد خلاف بينهما على تقاسم السيطرة على مؤسسات الدولة والاستخبارات خصوصاً إذ أجرى أردوغان استطلاعاً سرياً ليقيس به خسارته المحتملة نتيجة هذا الخلاف والتي رجح مراقبون أن تكون بين 5 و8 في المئة من مجموع الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة. ويراهن أردوغان على الاستفادة من «جيش» إعلامي لتعويض هذه الخسارة بعدما سيطر على معظم وسائل الإعلام المؤثرة في تركيا.