شخصياً، أتمنى أن يزيد راتبي كل فصل من السنة، وفي المحكية السعودية «كلٍ راضي بعقله»، وزاد عليها البعض «ومحدٍ راضي بدخله». وأتذكر في بداياتي المهنية عندما كان عدد الآلاف في راتبي لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وكانت الألف ريال في التسعينيات تفعل أكثر كثيراً من اليوم، في ذلك الوقت كنت أقول لنفسي: «عندما يصل راتبي إلى خانة الطعشات سأعمل خمس سنوات وأتقاعد». و«الطعشات» لغير السعوديين: هي الأرقام بين ال10 وال20. طبعاً تعرفون بقية القصة التي مرّ بها معظم الموظفين في الأرض، فالراتب الشهري له مرونة تمدد إنفاقي تتمناها في كثير من الأفكار لدى المتخاصمين على اللاشيء، وكلما زاد زاد الإنفاق تلقائياً، هكذا هي طبيعة الأمور، ومن استطاعوا الاستثناء من ذلك فهم إما فريدون لهم قدرات شخصية ومالية فذة، أو هم بصراحة من البخلاء المقتّرين على أنفسهم وأبنائهم، وتظل مستويات إنفاقهم ثابتة على مبدأ القول لأبنائهم: «اقعدوا عاقلين عشان أوديكم الشارع تتفرجون على ناس ياكلون آيسكريم»، أو عندما تطلب منهم زوجاتهم مئة ريال يردّون: «سبعين ريال؟ وش تبين بخمسين ريال؟ ما معي إلا ثلاثين، هاك عشرة ريالات». تابعت - مثلكم وعلى مدى أسابيع - سجالات زيادة الراتب، وكان البعض موفقاً في الطرح المتوازن الصادق مع الطرفين، والبعض الآخر اتخذها سبيلاً للشهرة والجماهيرية بين الناس، والبعض للتزلف وإظهار إخلاص ليس هذا محله، فمحدودية دخول الطبقة الوسطى في السعودية في مقابل متطلبات المعيشة لا تخفى على منصف، على رغم أن لهم دوراً في ذلك، لكن يبقى أن ما يفعل لتخفيف ذلك عليهم يبدو نظرياً جميلاً، لكنه على أرض الواقع المعاش بطيء جداً، وغير متقنٍ أحياناً، ولا يتواكب مع نموهم السكاني وتزايد حاجاتهم. وللتحديد، فالحديث هنا عن مجالات العيش والإنفاق الثلاثة الرئيسة، وهي السكن، الرعاية الصحية، والتعليم، وهذه أسهب فيها الكثيرون، وبعضهم تحدّث بكل واقعية وعقلانية، ونقل الواقع لولي الأمر. الجمهور نفسه الذي كثف حضوره الاتصالي في هذا الشأن، أظهر بعض أفراده مستويات وعي عميقة بالاقتصاد والمعيشة، ومستويات نقد هادف محب لبعض الأجهزة الحكومية كان لافتاً فيها أن هناك معرفة بالمشكلات والحلول، أعمق وأكثر سهولة في التطبيق من دراسات المستشارين، وأفكار من يعتقدون أن أفكارهم صالحة لكل زمان ومكان، وبعض الجمهور كان سطحياً في التعامل، إذ حاول نقد المجتمع وبعض سلبياته من خلال هذا الزخم، فمثلاً هناك من قال: «كيف لا يكفي الراتب الحاجة والنِّعَمُ تُكب في حاويات النظافة؟!»، مرفقاً معها صورة، أو أولئك الذين يقولون: «كيف لا يكفي الراتب ولا توجد حجوزات إلى دبي والدوحة والقاهرة وغيرها في إجازة العيد؟!»، وهذا بالطبع تسطيح للمشكلة، إذ إن تعميم أي سلبية أو يُسْر مادي على الجميع لا يخدم نقاشاً كان مهما، وأتوقع أن أصحاب القرار التنفيذي ومستشاريهم لا بد أن يكونوا قد أخذوا منه شيئاً للمستقبل، وإن لم يفعلوا فهذه طامة اتصالية وفقد للإحساس بنبض الشارع، وللحديث صلة. [email protected] @mohamdalyami