كانت أمسية فوق العادة... أمسية لا تنسى: «البرومز»، الرائع نايجل كنيدي، فيفالدي و «فصوله الأربعة»، «رويال ألبرت هول»، وأوركسترا «أوتار فلسطين». القاعة امتلأت ب 3500 شخص حضروا الحفلة الموسيقية، وغيرهم ملايين استمعوا اليها عبر أثير «هيئة الاذاعة البريطانية» (بي بي سي) التي ترعى احتفالية «البرومز» في لندن على مدى 8 اسابيع صيف كل عام، وتدعو اليها أشهر الفرق العالمية، خصوصاً المختصة بالموسيقى الكلاسيكية. كثيرون ممن لم يتسن لهم حضور الحفلة بسبب نفاد التذاكر، اصطفوا خارج قاعة «رويال ألبرت هول» على أمل الحصول على تذاكر مرتجعة او تذاكر تسمح بحضور الحفلة وقوفاً، وهذا تقليد متبع في مسارح بريطانيا. وقالت مجموعة من الشبان المصطفين منذ ساعات انها جاءت تحديداً لتستمع الى «المقاطع الارتجالية» التي سيدخلها عازف الكمان البريطاني الأشهر نايجل كنيدي على مقطوعة «الفصول الاربعة» التي اشتهر بأدائها بأسلوبه الخاص. هذه «الارتجالات» كانت مفاجأة الحفلة بحق، فبرفقة 17 عازفاً وعازفة في أوركسترا «اوتار فلسطين» الآتية من الأراضي الفلسطينية، اضافة الى فرقته «الحياة»، أدخل كنيدي في المقطوعة مقاطع جاز، وبعض التقاسيم الشرقية، وعزفاً منفرداً على الناي، وحتى موال بصوت احد العازفين الفلسطينيين، في تجربة فريدة تلاقت فيها الألحان الشرقية والغربية. ساعة ونصف الساعة من المتعة الخالصة، أشعل فيها كنيدي القاعة بحيويته، وبكمانه الطيّع وألحان تراوح بين الرقة والقوة والعذوبة والاناقة. وسط هذا كله، كانت فلسطين حاضرة بقوة، وعلى أكثر من مستوى. صفق الحاضرون طويلاً حين تم الإعلان في بداية الحفلة ان اوركسترا فلسطينية سترافق كنيدي. وصفقوا مجدداً لدى دخول أفراد الأوركسترا الفلسطينية الذين اتشحوا بالكوفية، ثم صفقوا مراراً عندما كان العازفون الفلسطينيون يشاركون بعزف منفرد، وأحياناً قاطع الجمهور العزف ليصفق إعجاباً. وخلال الحفلة، رفعت أعلام فلسطينية في القاعة. من جانبه، أشار كنيدي أكثر من مرة الى الاوركسترا الفلسطينية بإعجاب، وتحدث باقتضاب عما يمكن ان يحدث لو تحققت المساواة وتحطم الأبارتهايد (الفصل العنصري). وفي وقت سابق اول من امس، ذهب كنيدي والعازفون الفلسطينيون الى البرلمان البريطاني بهدف أخذ صورة جماعية ترويجية أمامه. وكانت الفكرة عندما طرحت، أثارت حفيظة «بي بي سي» التي لم تُرد تسييس هذا الحدث الموسيقي. رغم ذلك، وباسم حرية التعبير، أصر العازفون على أخذ الصورة أمام رمز الديموقراطية البريطانية. بالتأكيد كانت امسية لا تنسى، وقيل ايضاً تاريخية أظهرت الوجه الحضاري للفلسطيني. لم يكن يريد لها الجمهور ان تنتهي، ولم يكن كنيدي يريد لها ان تنتهي أيضاً، وها هو يدعو احد العازفين مصطفى سعد (15 سنة) الى العودة الى لندن ليرافقه في العزف في آخر ليلة من «البرومز» تُنظم في متنزه «هايد بارك» وينقلها التلفزيون، كما تعرض عبر شاشات عملاقة في متنزهات وقاعات اخرى. وكانت علاقة كنيدي بالاوركسترا بدأت العام الماضي عندما رافقته خلال حفلته في مهرجان القدس، فأعجب بمستوى العازفين، وطلب منهم مرافقته في حفلته في «البرومز». وأقرت احدى العازفات بأن مستوى الاوركسترا ارتفع بعد التدرب مع كنيدي، مشيرة الى ان التمارين كانت ممتعة، وان كنيدي نفسه شديد الحيوية، وتفاعل مع العازفين كثيراً.