وما زال الأستاذ أحمد الشقيري يمتعنا بحلقاته الذكية التي تسعدنا تارة، وتحزننا تارة أخرى، سبب السعادة هو إدراكنا ومعرفتنا بأن هناك أشخاصاً على هذه الأرض يعيشون حياة نظيفة وسهلة في جو من النظام والنظافة والترتيب. استوقفتني بالطبع معظم الحلقات التي أحرص على مشاهدتها بقدر الاستطاعة، وعلى رغم ضيق الوقت، إلا أن حلقة النظافة الخاصة بالقمامة وسلوكيات معظم الشعوب المتحضرة كما يطلق عليها أحزنتني بشدة، لأنه من المفترض أن نكون أحرص الأمم على النظافة واحترام الشارع واحترام حق الآخرين في العيش في بيئة آدمية تخلو من القمامة، وقفت كثيراً عند مشهد الرجل العربي الذي كان يفرغ محتويات سيارته، ويضع كل شيء في مكانه في صندوق الخشب، والقهوة التي جلبها معه في كيس من النايلون أفرغها في الصندوق الخاص بها، وعندما سأله الأستاذ الشقيري لماذا لم تضع الكيس مع القهوة؟ أجابه بصرامة وتلقائية «لا ممنوع». ممنوع كلمة صغيرة تعني أنه احترم النظام واحترم القوانين، حتى وإن لم يكن يشاهده أحد من المسؤولين ممنوع كلمة صغيرة تعني الحضارة بكل بساطة. بالطبع أتفق مع ما ختم به الأستاذ المبدع الشقيري ب«إن كنت تريد سلوكاً متحضراً أوجد قانوناً وأعلن عنه، ثم طبقه على الجميع من دون استثناء، وأرجو وضع من دون استثناء بين قوسين، وإن استطعتم خط أحمر عريض أسفل منه. ثم أوجد عقوبات أيضاً تطبق على الجميع». ما زالت حلقات برنامج خواطر تحتل الصدارة، على رغم كل ما أقرأه من انتقادات لبرنامج مبدع وهادف وتلقائي وصاحب رسالة كهذا. عند المغاسل المنتشرة بكثرة في بلادنا، شاهدت سلوكاً أضحكني، على رغم أنه أزعجني كثيراً، بعض الرجال يحضر غسيله وثيابه لغسلها وكيها، ثم يتذكر فجأة أن الثوب الذي يرتديه يحتاج أيضاً لغسيل، فيقوم بخلعه ليعطيه للعامل ثم يذهب لسيارته بالزي الرسمي المتعارف عليه «السروال والفانلية». سلوك أتمنى أن يختفي بهدوء وحضارة أيضاً. صممت مساعدتي المنزلية أن تذهب معي لصلاة التراويح، فذهبنا إلى مسجد بجوار المنزل، وكانت تضع جزءاً من الطرحة لتسجد عليها، لأنها مصابة بحساسية شديدة من التراب ووبر الأنسجة، فقطعت صرتها سيدة كانت تجلس بجوارها وسحبت منها الطرحة بعنف، وقالت لها لا يجوز أن تجعلي بين وجهك وبين الأرض حائلاً! بعد انتهاء الصلاة انشغلنا بنقاش عقيم شغلنا عن الهدف الذي جئنا من أجله، وكانت النتيجة أن انصرفنا ولم نكمل، أخبرت السيدة هل عندك دليل على ذلك؟ وهل هذا هو أسلوب راق للتصحيح؟ أسلوب تسبب في بكاء مساعدتي، وعدم رغبتها في تكرار الصلاة في المسجد نفسه، قبل أن نغادر سمعت السيدة نفسه تتجادل مع بعض السيدات اللاتي حضرن متأخرات بعض الشيء، وأكملن الصفوف من ناحية اليسار، لأن باب دخول السيدات من الجهة اليمنى، فطلبت منهن بصوت مرتفع وبلهجة الأمر أن ينتقلن للجهة اليمنى، لأننا من أصحاب اليمين يجب أن نبدأ كل ما نقوم به باليمين، تدخلت هذه المرة وأخبرتها أن المنطق والعقل يقول «أن تصطف السيدات من الجهة اليسرى، حتى تتمكن المصليات من الدخول من الباب اليمين من دون أن يضطررن إلى القفز على ظهور المصليات أو المرور من أمامهن هذا هو المنطق، فقالت لي بغضب نحن لا نتبع المنطق ولا العقل، نحن نتبع ما أمرنا به، لأننا من أصحاب اليمين. سؤالي ألا يوجد من يوقف هؤلاء عند حدودهن؟ وسؤالي الثاني من وكّلهن؟ وسؤالي الأخير من علّمهن هذه الطريقة الفجة؟ قد يكون مدبلجاً ما رأيناه جميعاً بفضل كاميرات الجوال قد يكون مدبلجاً هدفه الإساءة للهيئة ولأعضائها. هذا تصريح للمتحدث الرسمي الذي ختمه، مؤكداً أن التحقيق جار للتأكد من صحة الفيلم الرمضاني العنيف الذي رأيناه والذي فيه أبطال الفيلم يعتدون بالضرب والإهانة على شاب لا يتجاوز عمره 18 سنة على أكثر تقدير، فيلم يعبّر عن الطريقة المتبعة في الإمساك بالمخالفين وكيف نهينهم في الأسواق وفي الشوارع العامة وأمام الناس. مظهر غير حضاري وغير أخلاقي، غير أنه يسيء للإسلام في شكل كبير، سؤالي بأي يحق يجبر شخص على تسليم جواله الخاص؟ وتحت أية ذريعة؟ أين حقوق الإنسان عن هذه المشاهد العنيفة غير المبررة تحت أي ظرف؟ «قد يكون مدبلجاً» تصريح يفتقر للذكاء ويفقدنا الثقة بأعضائكم، ويظهرنا بمظهر لا أريد تسميته علناً! كاتبة سعودية [email protected]