ما بُعد المسافة بيننا وبين العالم المتحضر؟ ما بُعد المسافة بين ما نقول وبين ما نفعل؟ ما هي المعايير التي نستطيع الاحتكام إليها دون لَبْسٍ ، ولا اعتراض ، ولا اتهامات متبادلة؟ لنأخذ معيارًا بسيطًا ، ولنحاول قياس مدى بُعدنا أو قربنا من تطبيقه في أرض الميدان. خذوا النظافة معيارًا! ولنتجاوز نظافة اللسان ، وسلامة القلب ، ونزاهة اليد ، إلى النظافة الحسيّة! ولندع النظافة الجسدية التي يمارسها معظمنا ، فالآنسات ، والسيدات (آخر شياكة) ، و(شنطهنّ) آخر موديل ، وأشهر ماركة ، والسيارات التي تقلهنّ فارهات فاخرات ، ورجالنا وشبابنا -ولله الحمد- آخر (اهتمام) بالشكل، والغترة ، والشماغ ، والعقال ، والثوب النظيف! لننتقل إلى نظافة الشوارع ، والأماكن العامة ، والمرافق الحكومية ، وغيرها من المشاع استخدامه للمواطن. واقرأوا ممّا يجري في جانب النظافة من فئة هي الأعلى تعليمًا ، وربما (إتيكيتًا) ، بل ربما كان بعضهنّ (كولات) يتقززن من أي شيء ، ولا يعجبهنّ أي شيء. في عدد 15 مايو من (الحياة) ، تحقيق عمّا يجري داخل حرم الجامعة الأنيقة من الخارج على الأقل. إنها الجامعة الأعلى تكلفة في تاريخ المملكة ، بل ربما الشرق الأوسط .. إنها جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن. تأمّلوا صور العاملات الآسيويات ، وهن يجرفن أوساخ يوم من الدوام ، ويجمعن بقايا ، ومخلّفات الطعام من على طاولات الأكل ، وهي ملقاة في صورة مقززة ، وانظروا إلى ترامس الشاهي ودلات القهوة مبسوطة فوق مفارش أرضية داخل مبنى جميل ، لكنه لم يعد جميلاً ، بسبب هذه النتوءات غير الحضارية. اقرأوا ما كتبته المحررة (شيهانة القبلان) : (وما هي إلاَّ سويعات من بدء الحركة والذهاب والإياب ، حتى يبدأ المكان يتجه إلى شكله الأول ، نفايات ، بقايا طعام ، أكياس وأوراق ، ليتحول من جديد إلى (منطقة نفايات) ، وليس باحة كلية ، أو بهوًا في مبنى جامعي محترم ، ليبدو المكان ، وكأنه لم يُنظف منذ أشهر. هذا المشهد يتكرر بصورة أسوأ غالبًا حيثما تجمع (الشباب) والرجال والأطفال. إنها الثقافة نفسها ، وهي الحالة المزمنة نفسها .. انفصال بين المزاعم والحقيقة ، وبين القول والسلوك ، وقبل ذلك كله إساءة للدين والوطن والإنسان والبيئة. حديث الانتقال إلى العالم المتقدم يبدو شكليًّا إلى حد كبير!!