أعلنت القاهرة أمس رسمياً فشل الوساطة الدولية التي جرت لمحاولة تسوية الأزمة السياسية وحملت جماعة «الإخوان المسلمين» مسؤولية هذا الفشل، محذرة من مرحلة جديدة، ما اعتبرته الجماعة «دعوة للقتل» وأعلنت تمسكها بالاعتصام حتى «عودة الشرعية كاملة». وأثار هذا التصعيد الجديد قلقاً دولياً وداخلياً، فتدخل شيخ الأزهر أحمد الطيب مجدداً على خط الأزمة، داعياً الأطراف التي كانت أطلقت مبادرات إلى اجتماع بعد عطلة عيد الفطر الأسبوع المقبل، فيما حذر حزب «النور» السلفي من حمامات دماء، داعياً الفرقاء إلى تقديم تنازلات وصولاً إلى مصالحة سريعة. وعبر الاتحاد الأوروبي أيضاً عن قلقة البالغ إزاء التطورات في مصر، مؤكداً أنه سيواصل مساعيه لحل الأزمة. واستنفر الحكم الموقت للرد على تصريحات عضو الكونغرس الأميركي جون ماكين التي حذر فيها من أن مصر على بعد خطوات من حمامات دماء واعتبر عزل الرئيس السابق محمد مرسي انقلاباً. ورأى الناطق باسم الرئاسة أحمد المسلماني أن ماكين «يزيف الحقائق... وتصريحاته الخرقاء مرفوضة جملة وتفصيلاً». وأضاف أن الرئيس الموقت عدلي منصور «يستنكر تصريحات ماكين ويعتبرها تدخلاً غير مقبول في الشؤون الداخلية لمصر». ولم تكتف الرئاسة بإعلان فشل الجهود الديبلوماسية في التوصل إلى حل للأزمة، بل أعلنت أيضاً غلق الباب أمام الوساطات الدولية عندما قالت في بيان لها: «سترحب مصر دوماً بجهود هذه الأطراف، وستثمن مواقفها لدعم خريطة المستقبل وتعزيز الانتقال الديموقراطي»، ما يعني أن لا تفاوض جديداً على خريطة الطريق. وقالت: «انتهت مرحلة الجهود الديبلوماسية التي بدأت منذ أكثر من عشرة أيام بموافقة وتنسيق كاملين مع الحكومة المصرية، والتي سمحت بها الدولة إيماناً منها بضرورة إعطاء المساحة الواجبة لاستنفاد الجهود الضرورية التي من شأنها حض جماعة الإخوان ومناصريها على نبذ العنف وحقن الدماء والرجوع عن إرباك حركة المجتمع المصري ورهن مستقبله، وكذلك الالتحاق بأبناء الوطن في طريقهم نحو المستقبل». وأشارت إلى إن تلك الجهود «لم تحقق النجاح المأمول، على رغم الدعم الكامل الذي وفرته الحكومة المصرية لتيسير الوصول إلى شارع مستقر وآمن، يستقبل أبناؤه الأيام الطيبة لعيد الفطر المبارك بتسامح ووئام». وحملت «الإخوان» المسؤولية «كاملة عن إخفاق تلك الجهود، وما قد يترتب على هذا الإخفاق من أحداث وتطورات لاحقة في ما يتعلق بخرق القانون وتعريض السلم المجتمعي للخطر». ودافعت عن السماح للمبعوثين الدوليين بلقاء قادة «الإخوان» أمام هجوم تعرضت له في الأيام الماضية، وأوضحت أنه «في إطار حرص الدولة على إعطاء الفرصة الكاملة للجهود الديبلوماسية كافة للوقوف على حقائق الأوضاع عن التجمعين غير السلميين في كل من منطقة رابعة العدوية والنهضة، سمحت الحكومة المصرية لمبعوثي الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والإمارات العربية المتحدة وقطر بالزيارة والنقاش من أجل استطلاع تفاصيل المشهد وحض جماعة الإخوان على الالتزام بمسؤولياتها الوطنية واحترام الإرادة الشعبية التي تجسدت في 30 حزيران (يونيو) الماضي». وعقب البيان الرئاسي بساعات خرج رئيس الحكومة حازم الببلاوي في مؤتمر صحافي ليدافع عن نهج التفاوض أيضاً، مشيراً إلى أن السماح بزيارة مسؤولين أجانب «يعكس حرص الحكومة على الاستماع إلى وجهات النظر كافة وإعطاء الفرصة الكاملة لجهود التسوية السياسية، حقناً لدماء المصريين وحرصاً على أرواح الشباب وتمسكاً بكل فرصة قبل اتخاذ الإجراءات الرادعة والحاسمة». وشدد على رفضه لتوصيف بعض الشخصيات التي زارت مصر لما حدث على أنه «انقلاب»، كما أكد رفضه «لأي نوع من التدخل الأجنبي في شؤون البلاد». وغادرت أمس الوفود الدولية القاهرة. لكن الاتحاد الأوروبي أعلن إنه سيستمر في الجهود الديبلوماسية لحل الأزمة في مصر. وقال الناطق باسم الاتحاد مايكل مان إن مبعوث الاتحاد الأوروبي برناردينو ليون موجود في مصر منذ أيام ويشارك في جهود الوساطة. وأضاف: «سنستمر في بذل قصارى جهدنا في محاولة تشجيع الناس على المضي قدماً في حوار يشمل الكل. من المهم للغاية أن نرى عودة إلى المرحلة الانتقالية الديموقراطية في مصر. سنواصل جهودنا». وبدا أن الحكم الموقت سيفتح المجال للأزهر للعب دور خلال المرحلة المقبلة بعدما فشل المبعوثون الدوليون، إذ دعا شيخ الأزهر «أصحاب المبادرات» التي قدمت لحل الأزمة إلى لقاء بعد العيد مباشرة، ما رحب به حزب «النور» السلفي الذي دعا في بيان أمس إلى «التصالح والمواءمة السياسية لحل الأزمة التي تمر بها البلاد». ورأى أن غالبية الوفود كانت «تدفع في الاتجاه الذي تريده لا الاتجاه الذي يخرج مصر من ورطتها كما أن الموقف داخلياً كان انتقائياً في شكل لافت، إذ رحبت النخب السياسية بالتصريحات التي تصب في مصلحتها بينما اعتبرت التصريحات العكسية تدخلاً في شؤون مصر». وطالب الحزب الذي أيد عزل مرسي ب «المواءمة السياسية طلباً للمصلحة العامة». وقال في البيان: «يجب أن يدرك جميع أطراف الأزمة أن الحل هو المصالحة، فلا يلزم أن يتمسك كل أحد بما يراه الحق، لكن من الممكن بل من المطلوب أن يرضي ببعضه طلباً للصلح طالما كان الأمر المتنازع عليه قابلاً للتنازل». وأضاف: «يبقى أشد التصريحات ألماً هو تصريح جون ماكين الذي قال فيه إن مصر أمامها أيام لتنزلق في حمام دم كامل... هذه الكلمة إن جاز أن تمر من فم قيادي في الحزب الجمهوري الأميركي مرور الكرام فلا نظن أبداً أنها تمر على مصري بل ولا عربي ومسلم هكذا من دون أن ينزعج منها ويبادر إلى محاولة منع جريان ذلك الحمام الدموي». وكان وزير الخارجية القطري خالد العطية دعا إلى الإفراج عن «المعتقلين السياسيين» في مصر، مطالباً أطراف الأزمة بالاحتكام إلى الحوار والاستعجال فيه. ورأى خلال مقابلة بثت فجر أمس على قناة «الجزيرة» أن «إطلاق (سراح) المعتقلين السياسيين هو مفتاح حل الأزمة... المطلوب هو حل توافقي يقوم على حوار مصري - مصري ويتطلب تنازلاً من كل الأطراف». وأشار العطية إلى أنه التقى نائب مرشد «الإخوان» خيرت الشاطر في محبسه لمدة ساعة ونصف الساعة، عبر خلالها الشاطر عن أفكاره حيال الأزمة. وقال إنه كان من المفترض أن يلتقي الرئيس المعزول أثناء الزيارة إلا أن اللقاء لم يتم. ونفى أن يكون طرح أثناء الزيارة أي مبادرة لحل الأزمة، قائلاً: «لم نطرح مبادرة لأننا لم نستطلع آراء كل الأطراف، ولا نستطيع أن نقدم أي مقترحات لحل الأزمة ما لم نلتق فرقاءها كافة. لا تستطيع أن تقدم مخرجات ما لم تكن حصلت على مدخلات».