تعقدت جهود الوساطة الدولية لحل الأزمة المصرية بعدما رفض طرفا الأزمة تقديم تنازلات. وفي حين شكت الرئاسة «ضغوطاً دولية تجاوزت الأعراف»، تمسكت جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفائها ب «عودة الشرعية»، مشددة على أنها لن تقبل بأقل من عودة الرئيس المعزول محمد مرسي والدستور المعطل ومجلس الشورى المنحل. واستمرت أمس لقاءات المبعوثين الدوليين بالمسؤولين، فالتقى عضوا الكونغرس الأميركي جون ماكين وليندسي غراهام اللذان وصلا إلى القاهرة مساء أول من أمس في زيارة تستمر يومين، وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي ثم رئيس الحكومة حازم الببلاوي، قبل أن يجتمعا إلى نائب الرئيس للعلاقات الدولية محمد البرادعي الذي التقى أيضاً نائب وزير الخارجة الأميركي وليام بيرنز والمبعوث الأوروبي إلى جنوب المتوسط برناردينو ليون. لكن يبدو أن تلك الاجتماعات لم تخرج بنتيجة. وقال بيان عسكري إن لقاء السيسي بماكين وغراهام تناول «تبادل وجهات النظر في شأن المستجدات في المشهد السياسي المصري، والجهود المبذولة لإنهاء حال الاستقطاب السياسي ونبذ العنف، والمضي قدماً في تنفيذ خريطة المستقبل للمرحلة الانتقالية بمشاركة الأطياف السياسية كافة من دون تمييز أو إقصاء». وأعلنت حركة «تمرد» رفضها لقاء ماكين. وقال الناطق باسمها محمود بدر: «نرفض دعوة ماكين إلى لقاء، ونؤكد أننا مللنا من كثرة الزيارات الخارجية لمصر، ونطالب المجتمع الدولي بترك الشعب المصري وحيداً يقرر مصيره وخياراته». وكان لافتاً اعتبار المستشار الإعلامي للرئيس أحمد المسلماني أن الضغوط الأجنبية «تجاوزت الأعراف الدولية»، مشدداً على أن مصر «قادرة على حماية الثورة والدولة»، بعد هجوم عاصف تعرضت له السلطة على خلفية السماح لوفد عربي - غربي بلقاء نائب مرشد «الإخوان» خيرت الشاطر في محبسه. ورفضت قوى سياسية بينها حملة «تمرد» و «جبهة الإنقاذ الوطني» و «جبهة 30 يونيو» في بيان أمس «عقد أي صفقات سياسية بين الدولة وجماعة الإخوان الإرهابية». وطالبت ب «المحاسبة العادلة لكل من أخطأ أو أجرم في حق الشعب المصري وشارك في إفساد الحياة السياسية». وشددت على رفضها «عقد صفقات سياسية مع الإخوان ضد طموحات الشعب المصري العظيم في تحقيق عدالة انتقالية حقيقية»، مطالبة السلطة الانتقالية ب «ضمان عدالة المحاكمات وشفافية التحقيقات مع جميع المتهمين منذ بداية الثورة المصرية الخالدة في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2011 وحتى الآن». ودعا البيان السلطات إلى «سرعة التصدي بكل قوة وحزم للإرهاب وللمحرضين على العنف بما لا يخالف القانون»، مؤكداً أن «جماهير الشعب المصري الجليلة تقف جنباً إلى جنب مع السلطة المصرية والأجهزة الأمنية في مواجهة الإرهاب والتطرف». وأعلنت «تقديرها لكل الجهود الدولية التي تتسق مع حق الشعب المصري في التصدي للإرهاب والتطرف»، لكنها شددت على «رفض أي تدخلات دولية داعمة للإرهاب وضد إرادة الشعب المصري وسيادته». في المقابل، شدد «التحالف الوطني لدعم الشرعية» الذي تقوده جماعة «الإخوان» في بيان أمس على أن أي وساطات دولية «لا بد من أن تستعيد الشرعية الدستورية أولاً، بعودة الرئيس محمد مرسي وعودة الدستور ومجلس الشورى، وهذا هو لب القضية والكفيل بالتهدئة الكاملة». وطالب ب «الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين وإسقاط جميع التهم الملفقة لهم... هذا حق واجب لهم ينبغي أن يتم فوراً رفعاً للظلم، ولا ينبغي أن يكون محل مساومة أبداً». وأضاف أن «الشعب المصري في الاعتصامات والمظاهرات لم يخرج بسبب اعتقال عدد من القيادات ومطاردة غيرهم، ولكنه خرج إلى الميادين والشوارع بسبب الانقلاب العسكري الذي أطاح الشرعية الدستورية واختطف الرئيس المدني المنتخب لأول مرة في مصر». ولفت إلى أن «التظاهرات والاعتصامات حق قانوني ودستوري أقرته إعلانات حقوق الإنسان ما دامت سلمية... وجميع فعالياتنا سلمية، والدليل على ذلك أن المتظاهرين والمعتصمين هم الذين سقط ويسقط منهم الشهداء ويتعرضون للاعتداء». وشدد على أن «حرية الرأي والتعبير حق مكفول في جميع الدساتير والمواثيق الدولية، وإعادة القنوات الفضائية والصحافيين الممنوعين من الكتابة وإلغاء التضييق على الإعلام كلها تعتبر إجراءات لازمة للحياة الديموقراطية». ودعا إلى «إجراء تحقيق عادل وعاجل ونزيه في المجازر التي تمت، ومحاسبة المسؤولين عنها وفقاً للقانون». وأكد الناطق باسم «الجماعة الإسلامية» المنضوية في التحالف محمد حسان أن «جهود الوساطة لم تصل إلى نتائج ملموسة حتى الآن بعدما تمسكنا بعودة الشرعية والدستور». وكشف ل «الحياة» أن الوفود الدولية «نقلت إلينا رسائل مفادها أن السلطة مستعدة لتقديم ضمانات بإطلاق سراح بعض قيادات الإخوان المحتجزين وعدم الملاحقة الأمنية في المستقبل، إضافة إلى فك تجميد الأموال والسماح لنا بدخول العملية السياسية، وهو ما رفضناه على اعتبار أنه لا يتناسب مع سقف المطالب الذي يرتفع يوماً بعد يوم». لكن مستشار الرئيس للشؤون السياسية مصطفى حجازي نفى ضمناً رواية حسان، وأكد أن «التعامل مع الرئيس المعزول وقيادات الإخوان سيكون بالقانون وحده وليس بالسياسة التي لن توجد إلا في إطار إقامة حياة سياسية مصرية جديدة». وقال إن «التعامل سيكون بالقانون لأن القانون هو سيد الموقف... الإخوان ومن حولهم هم الجاني والمجتمع المصري بكل أطيافه هو المجني عليه، وعلى الجاني أن يرتدع وأن يعود إلى عقله وأن يتقدم ولو في شكل ضمني بطلب الصفح والعودة إلى الصف الوطني». في غضون ذلك، أمر النائب العام بسجن مدير مكتب الرئيس المعزول أحمد عبدالعاطي، ومستشاره للأمن والأزمات أيمن هدهد، 15 يوماً على ذمة التحقيقات في شأن اتهامهما بالاشتراك في أحداث قتل وتعذيب محتجين في محيط قصر الاتحادية الرئاسي أواخر العام الماضي. وأسندت النيابة إلى عبدالعاطي وهدهد تهم «الاشتراك في احتجاز مواطنين قسراً من دون وجه حق والاشتراك في استجوابهم وتعذيبهم وتهديدهم بالقتل والاشتراك في القتل والشروع في القتل والاشتراك في ارتكاب جرائم البلطجة وترويع المواطنين». وأنكر المتهمان خلال التحقيقات أمام نيابة مصر الجديدة الاتهامات.