هجوم كاسح متعدد الجبهات، لا يعرف هوادة أو تراخياً، يرافق استعدادات الأسر لمصافحة بهجة عيد الفطر المبارك، فالكل يسعى للحصول على ملابس جديدة ومقتنيات لا تتكرر إلّا في مثل هذه المناسبات، ما يرفع درجة الزحام في كل الأسواق التي تصيبها حمى التسوق بنشوة المكاسب المالية. وتتفنن «النواعم» من النساء والفتيات في الاستعداد للعيد بما يستطعن من مستلزمات وكماليات، من ملابس وأكسسوارات وغيرها، لهن أو لأبنائهنَّ، وكذلك تهيئة منازلهن بتحف وورود وأوانٍ وأثاث ليشعر زائرها بمشاعر العيد، وانتهاء بشراء حلويات العيد التي أصبح الكثيرون يتباهون بشرائها من أرقى المحال وأشهر الأسماء التجارية. وتجمع السعوديات على الاستعداد والتحرك باكراً لتحضير متطلبات العيد، إذ أوضحت الطالبة الجامعية مشاعل العمري أنها وأفراد أسرتها يحرصون على تجهيز المستلزمات التي تحتاج إلى وقت كاف بعد انتهاء موسم الامتحانات النهائية مباشرة، مبينة أن هذه الاستعدادات تخص عيد الفطر وحده دون المناسبات الأخرى. بينما تلخص الطالبة خلود العتيبي طعم العيد في الجو العائلي مع الأهل والأقارب، وفي الغالب تشارك في الاحتفال مجموعة من «الجدات» ونساء كبيرات في السن، فتثار موجة من الانتقاد لنوعية الملابس العصرية للشابات، وهو ما يفرض ظهور الفتيات أمامهن بملابس مبسطة احتراماً وتقديراً لهن. وترى الشابة حصة أن أيام الأعياد فقدت بهجتها كأيام لإظهار مظاهر الفرح والسرور، لأنها تحولت إلى مناسبة للتباهي بعرض الأزياء والتفاخر بها، وتشاركها الرأي فاطمة، التي ذكرت أن بعض النساء في منطقتها يبدأن الاستعداد منذ وقت باكر جداً، وأحياناً لا يتجاوز هذا الاستعداد الباكر تجهيز حلّة واحدة في شكل فاخر ومميز، فقط من أجل الظهور بمظهر لافت ومختلف أمام الجميع. وتضيف فاطمة: «العيد فقد معناه الحقيقي بسبب ما انتشر من مظاهر وسلوكيات مبالغ فيها، فلم نعد نستشعر الفرحة والبهجة». ومن إحدى قرى بلغازي التابعة لمحافظة جازان، تقول عافية إنه في حين تتم اجتماعات النساء في مخيم أو مكان واسع وخاص، حيث تُضرب الدفوف ويعلو الإنشاد، يجتمع الرجال في مكان آخر بعيداً عنهن، عند شيخ القبيلة أو أكبرهم سناً. وتعلّق الداعية نوال الرحال على حمى الشراء استعداداً للعيد بقولها: «من رحمة الله بنا أن جعل شهر رمضان قربة إليه، وهو الغني عنا، فكيف يكون واقع حالنا أن نشغل أنفسنا بالأسواق بدل اغتنام كل فضائل هذا الشهر، وكان من الأجدى أن نقوم بالتجهيز والشراء قبل بداية رمضان». وتنتقد الاختصاصية النفسية ندى محمد ما أصبح موجوداً في الأعوام الأخيرة وبخاصة أيام الأعياد، وفي ظل انتشار التقنية، إذ صار التعبير عن مشاعر الفرح محصوراً في تبادل رسائل التهنئة عبر الهواتف الذكية والبرامج الإلكترونية، وفي أحيان لا يتم اللقاء بالأهل طوال فترة العيد، وبالتالي عدم الاجتماع بهم لفترة تصل إلى أعوام، وإن تمّ اللقاء فإنه يفتقر إلى الجو العائلي والإلفة، وتغلب عليه الرسمية والتكلّف، ما يجبر من ليس قادراً مادياً على الظهور بمظهر فخم على الانقطاع عمن حوله من أهل وجيران، حتى لا يعرض نفسه للانتقاد والنظرة الدونية وبخاصة من النساء. وتشير إلى نساء انقطعن عن التواصل منذ فترة طويلة عن جاراتهنَّ وأقاربهنَّ بسبب قدم أثاث البيت، أو عدم القدرة على شراء أطباق فاخرة ومأكولات، وعند مناقشتهنَّ في هذا الأمر يذكرن أن السبب يعود إلى عدم استطاعتهنّ تحمّل ما يشاهدنه من مبالغات في التجهيزات والاستعدادات، مقابل ضعف إمكاناتهن وعدم قدرتهن على المجاراة، وبالتالي لم تعد أيام الأعياد تختلف عن غيرها كثيراً لدى هؤلاء.