يتنوّع النشاط الاقتصادي السوري على الطريق الدولي ما بين بلدة شتورة اللبنانية ونقطة المصنع الحدودية مع سورية. مطاعم ومحامص ودكاكين وبسطات خضر وسوبرماركت ومؤسسات تجارية تحمل عناوين سوريّة «مطعم الشام»، «مطبخ ستّ الشام»، «مغسل الشام»، «شام مارت» وغيرها، تُشعر المواطن اللّبناني بأنه يستطيع قصد المطاعم السورية على الأراضي اللبنانية بعدما منعته الحال من تذوّق مأكولاتها في الشام. ف «بوابة دمشق» الذي يعدّ أشهر مطاعم الشاورما في سورية انتقل إلى البقاع. وهذه الأسماء ما كانت ترصد قبل ثلاثة أشهر، وحركة تلك المطاعم تتكثّف ليلاً إن كان في المرج أو برّ الياس أو مجدل عنجر أو راشيا مع حلول موعد الإفطار، في ما عدا حركة مؤسسات النجارة والمصالح الميكانيكية التابعة لسوريين ما يدفع إلى سؤال أساسي: كيف يعمل اللّبنانيون وسط هذا النشاط المفاجئ؟ بدأ النازحون كسب رزقهم بأيديهم في مناطق البقاع، بعدما هُدّم ما هُدّم لهم من مصالح يعيلون عائلاتهم منها في بلادهم. ولكن أصحاب هذه المؤسسات تلقّوا قرار الدولة اللبنانية «المتأخّر» ب «إقفال أية مؤسسة تجارية، تعود لسوريين مسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين في الأممالمتحدة ويستفيدون من تقديماتها. وإن لم يكن صاحب المؤسسة مسجلاً، من المفروض أن يخضع للإجراءات القانونية وبينها مباشرة عمل من وزارة المال، والتسجيل في غرفة التجارة والصناعة، إضافة إلى تسجيل الأجراء لدى صندوق الضمان الاجتماعي والخضوع لضريبة الدخل، والحصول على إجازة عمل وتأشيرة إقامة وغيرهما من الإجراءات المتعلقة بالرعايا العرب والأجانب. معالجة ظاهرة المؤسسات غير المصرّح عنها خلّفت حالاً من الخوف لدى السوريين، لما قد يصيبهم منها. فمحمد حوا من إدلب الذي فتح محمصة يحار في أمره إن طاوله الإجراء وأقفل محمصته. كيف سيسدّد إيجار منزله 400 دولار، وإطعام عائلته المؤلفة من 5 أفراد؟ ويقول: «عندي أجير يعيل عائلته من راتب بسيط، ولا بديل طرحته الدولة اللبنانية علينا، هل يشحذ أو ينتحر؟». ويقول متأففاً: «مفكرين إنو كل اللّبنانيين مرخصين محلاتهم؟ ما كل لبنان هيك». ولفت إلى أنه «غير مستعد لأن يشرعن وضعه. بسكّر أحسن ما ادفع اللي معي. كل شي عندكم غالي وبالأصل لا نستطيع التسجيل لأنني لا أحمل إقامة»، مطالباً ب «إجراءات إدارية للحصول على تراخيص». وكشف موظّف سوري في سوبرماركت تحمل اسم «الشام» أن «تجهيز السوبرماركت كلّف الآلاف»، ليتابع: «نحن تحت سقف القانون، بما يضمن حق الدولة وحقنا». وأشار إلى أن «الهدف من فتح السوبرماركت مساعدة أهلنا اللاجئين»، سائلاً: «لماذا هذا القرار المتّخذ من قبل الدولة اللبنانية طالما خلقنا حركة كبيرة على خط بر الياس - دمشق، لا تستطيع المؤسسات الموجودة تلبيتها خصوصاً أن المنظمات غير الحكومية تعاونت مع مؤسسات لبنانية في البقاع لصرف قسائم المواد الغذائية وغيرها للنازحين». ينفي يوسف الذي يدير محل «مسبحة حمّص» أن يكون هو صاحب المحل، قال إنه شريك للبناني، هو بخبرته، واللبناني برأسماله «لذا، لا ينطبق علينا القانون الذي يحكى عنه». ويشدّد على أن اعتراض بعض مطاعم الشاورما على فتح محالنا، ما هو إلا لأننا «كشفنا أرباحهم المضاعفة، ويفضّل اللبناني شراء سندويش بسعره الحقيقي بدلاً من شرائه بأضعاف سعره في المطاعم اللبنانية». وقال: «ما يتحدثون به عن منافسة وخسائر غير حقيقي. عمّالهم سوريون ومحالهم إما ملك أو إيجار قديم أما إيجارنا فضعف إيجارهم، كيف نحن نربح وهم يخسرون؟». استغلّ صاحب «مطعم الشام» اللبناني وسام سلوم الذي يطهو الفلافل والفتة والحمّص على الطريقة الشامية هذا العنوان لجذب اللاجئين السوريين ويقول: «يدخل لبنان مئات السوريين يومياً فاخترت هذا العنوان كلعبة تجارية ولهدف معيّن هو استقطاب السوريين وأبيع السندويش ب «ألف ليرة لبنانية». ويؤوي سلوم لاجئين سوريين في مطعمه يفترشون الأرض في الليل ويساعدونه في النهار ويوضح أنه «يساعدهم منذ 5 أشهر». لا تختلف حال سمير الآتي من الشام عن غيره، هو مسؤول عن شبان سوريين، يضعون على عربات متنقلة على طريق بر الياس - دمشق تبعد الواحدة عن الأخرى بضعة أمتار، الفول والحمص صباحاً ويبسّطون الشاورما ظهراً أما البلح والشراب فعصراً. في المقابل، يستاء أصحاب المطاعم اللبنانية من انتشار المطاعم السورية المفاجئ الذي أوقعهم بخسائر جمّة. ويقول صاحب مطعم لبناني للشاورما معروف في البقاع الأوسط وهو مجاور لآخر سوري فتح أخيراً: «من يقول إنه شريك للبناني كاذب فهو يغطي مخالفته»، سائلاً: «كيف لسوري غير مرخّص له أن يفتح محلاً ويربح مثله مثل أي لبناني ولا يدفع ضرائب للدولة؟». وكان الخلاف بين أحد مطاعم الشاورما اللبنانية ومطعم سوري مجاور له، أدّى إلى تحطيم زجاج المطعم «الدمشقي» من قبل شبان بقاعيين لإرغامه على إقفاله. ومن الحادثة انطلقت «مفرقعة» ظاهرة مكافحة المؤسسات السورية غير المشروعة. ويستغرب المستأجر السوري (لا يتجاوز عمره 23 سنة) لمحل ملبوسات في منطقة المصنع غير مرخص له، قرار معالجة ظاهرة المؤسسات غير المصرح عنها قائلاً: «ماذا يعني ذلك؟». وكان «أبو أحمد» فتح محله قبل 4 أيام فقط، ويخشى أن يشمله القرار. قمصان محال «أبو أحمد» المصفوفة على الواجهات الداخلية لا تشي بأن هناك ازدياداً على الطلب. وعبدالحميد الغمضة من إدلب الذي يبسّط بالخضر من دون ترخيص منذ 6 سنوات على طريق راشيا، يؤكد أنه قصد البلدية وسأل المسؤولين عن الإجراء القانوني، فوافقوا من دون أية إجراءات. أما السوري عبدالرحمن عساف الذي فتح محلاً في المرج فوجد الحل للهروب من هذا الإجراء عبر مشاركة لبناني في مؤسسته للنجارة. ويتأثّر صاحب ميني ماركت (لبناني) في المنطقة والذي يملك أيضاً معمل نجارة، بمهن السوريين الحرّة ويشتكي: «أبيع 5 ربطات خبر حالياً فيما كنت أبيع 30 ربطة في اليوم»، مشيراً إلى أنهم (النازحون) «يشترون الخبز ب1100 ليرة ويبيعونها للمنازل ب1250 ليرة». ويجد رئيس بلدية المرج ناظم صالح أن «هناك معاناة طاولت أخيراً أصحاب محال الحلاقة اللبنانيين الذين يشتكون من الأسعار المخفوضة التي تعرضها محال الحلاقة المؤجرة للسوريين. ولوحوا بافتعال المشاكل ووقّعوا عريضة تطالب بإقفال محال السوريين بالقوّة»، لافتاً إلى أن «هذه الظاهرة امتدت إلى مصالح كبيرة إذ استطاعوا نقل معداتهم من سورية إلى البقاعين الغربي والأوسط بأرخص الأثمان وافتتحوا عشرات المصانع والمطاعم، وبات عدد المؤسسات أكثر من 300 مؤسسة»، مشيراً إلى «مؤسسات ضخمة فتحت بإيجارات كبيرة، ناهزت 10 آلف دولار شهرياً، ولم تعمل على تسوية وضعها». ويقول: «من لم يستطع فتح المصانع يبسّط بالخضر على الطريق عصراً»، لافتاً إلى أنه «من الناحية الإنسانية لست بصدد تقديم شكوى ضد أحد»، مطالباً الدولة ب «التحرك نتيجة الضرر الذي يلحق باللبنانيين». وتمنى «لو أن الدولة حصرت أعداد اللاجئين في مكان واحد». ولم تتبلغ بلدية المرج رسمياً أي قرار بمكافحة أعمال السوريين التجارية. هناك محاولات خجولة لوزارة الاقتصاد إذ أمهلت أصحاب المحال حتى 15 الجاري لتسوية أوضاعهم. وتركتهم أمام خيارين «العودة إلى سورية» وهي مستحيلة أو «الموت جوعاً ومد اليد للشحاذة»، كما قال أحد أصحاب المؤسسات السورية في بر الياس.