حتى الجمعة الماضي، كانت تعيش في عرسال 327 عائلة سورية بصفتها نازحة، وفي سعدنايل 260 عائلة. البلدتان بقاعيتان تقعان شرق لبنان. ويقول ناشطون في جمعيات أهلية ومدنية محلية إن العدد يرتفع مساء كل يوم وبنسب متفاوتة. تحاذي عرسال الحدود مع سورية، وتفصلها عن سعدنايل بلدات كثيرة تمتد لنحو ساعة ونصف ساعة بالسيارة. يؤكد نازحون أن اختيار هاتين البلدتين لم يكن عشوائياً، إنما بسبب «الأمان» فيهما. والأمان في هذه الحال يعني اللون الطائفي، إذ أن أهالي البلدتين المختارتين من السنّة، بينما البلدات بينهما حيث ترفع صور كثيرة للأمين العام ل «حزب الله» جنباً إلى جنب مع صور الرئيس السوري بشار الأسد، من الشيعة أو من خليط طائفي. الهاربون من آلة القتل في سورية استعاروا من اللبنانيين عبارتهم الشهيرة «مربعات أمنية» للإشارة إلى أن هذه البلدات تقع، في أذهانهم، تحت سيطرة «حزب الله». نازحو البقاع، إضافة إلى سوريين كثيرين (غير مشمولين بتلك الأرقام) لجأوا إلى المنطقة من دون أن يحملوا هذه الصفة، لا اعتراف رسمياً لبنانياً بوجودهم. وإذا استثنينا تصريحات متفرقة بعضها لنواب في كتلة «المستقبل» تنتقد عدم الاهتمام الرسمي اللبناني بقضية النازحين إلى البقاع وعدم مساعدة الهيئة العليا للإغاثة هؤلاء أسوة بالسوريين النازحين إلى شمال لبنان، واستثنينا تصريحات أخرى لنواب ومسؤولين ضمن قوى 8 آذار تعتبر ما يجري في البقاع زيارات سوريين عادية لأقارب وأصدقاء لهم في لبنان، لا يبقى إلا واقع قاس فرض على عائلات مؤلفة بمعظمها من أم وأطفال كثر، ويوميات يعيشونها قلقاً على أقارب لم يحالفهم الحظ في الفرار أو أخوة فضلوا تهريب نساء العائلة «خوفاً على العرض» ولجأوا إلى الجبال والبساتين خوفاً من القتل أو الاعتقال. هذه اليوميات تشبه يوميات النزوح اللبناني في كل شيء، حتى تكاد تماثلها: من تقاسم جميع الأطفال فراشاً رقيقاً على أرض مدرسة أو ملجأ أو قبو دار عبادة، إلى انتظار صندوق إعاشة ملصقة عليه ورقة بيضاء تذكر ب «أهل الخير»، إلى الاحتجاج على انقطاع المياه، إلى دعاء الأمهات المتشحات بالأسود بأن ينزل الله بظالميهن ظلماً يفوق ما لحق بهن. «الحياة» جالت على النازحين في سعدنايل وعرسال وبلدات أخرى في البقاع، وبدا ما يروى عن المناطق التي نزح الأهالي منها وعن حال النازحين مماثلاً لما رواه اللبنانيون النازحون من جنوب لبنان خلال حرب تموز (يوليو) 2006. في ساحة شتورة سيارات كثيرة لوحاتها سورية، لكن السوريين هنا وفي بلدات أخرى قريبة لا يحملون صفة نازحين بالمعنى الدرامي للكلمة. غالبية هؤلاء من ميسوري الأحوال خرجوا مع بدء الأحداث في سورية من مناطق كالزبداني ودمشق، ودخلوا إلى لبنان عبر المصنع وبطريقة شرعية، واستأجروا منازل في بلدات كالمرج وبرالياس وقب الياس، وحتى زحلة التي فضلها المسيحيون منهم خصوصاً، بسبب الانتماء الديني لأهلها. هؤلاء لا يشملهم التعداد الذي تجريه البلديات والجمعيات المدنية للنازحين السوريين. على مسجد تعلبايا عند مدخل بلدة سعدنايل، ألصقت أوراق ملونة كتبت عليها عبارات: «لعيونك يا شام» و «حملة للتبرع بالمواد العينية والمادية للاجئين السوريين»، في ما يشبه الاعتراف الأول بوجود «لاجئين سوريين». أما داخل البلدة فيقول رئيس «رابطة شباب سعدنايل» الناشط عمر الحلبي إن النازحين 260 عائلة، وإن المعدل الوسط لأفراد كل عائلة هو 5. في سعدنايل وحدها حوالى 1300 سوري إذاً، وهو رقم يرتفع مع استمرار الثورة السورية. عائلات كثيرة نزحت خلال الأسبوعين الماضيين مع اشتداد القصف على المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان. غرفة تحت الدرج يوصل درج إلى منزل من غرفتين. المنزل قديم، جدرانه من الحجر غير المطلي. تحت الدرج فتحة في الجدار تشكل الباب المؤدي إلى غرفة تنخفض نحو نصف متر عن سطح الأرض. الغرفة بلا نوافذ، ورائحة الرطوبة المنبعثة من جدرانها تزيد كآبة المكان. السرير على يمين المدخل يتمدد عليه رجل مُقعد. أما الفرش الموزعة بطريقة ال «مَدّة» العربية، والأغطية المرصوفة فوق بعضها بعضاً على الجانب، فلأفراد عائلتين تتقاسمان المكان، كل منهما مؤلفة من ستة أشخاص. في بضعة أمتار مربعة تحت الأرض يعيش 12 شخصاً معظمهم أطفال. ترفض السيدة الثلاثينية تصويرها داخل الغرفة، وتضحك لدى سماعها كلمة «لاجئين». لم يعتد السوريون هذا الوصف لغير الفلسطينيين. تعرّف عن طفلاتها الأربع اللواتي يوحين بأنهن من عمر واحد، وتستعيد حكاية الهروب من معرّة النعمان قبل أسبوعين: «عندما اشتد القصف علينا خرجنا بالسيارة من المعرة. الوضع كان صعباً، وكلما اقترب القصف كنا نلجأ إلى البساتين لنختبئ، لساعتين أحياناً ثم نعود إلى السيارة ونكمل الطريق. هربنا بما علينا من ملابس، وتركنا حياتنا كلها في المعرّة. هكذا فعل جيراننا. لم يبق هناك إلا بضع عائلات. دخلنا إلى لبنان في اليوم الذي قيل فيه إنهم ضبطوا 7 مسلحين. كنا نسمع صوت الرصاص ولا نرى مسلحين». تكثر السيدة من حمد الله، وتقول مرة بعد مرة: «نصيبنا. شو بدنا نعمل». لكن أكثر ما تشكر الله عليه هو معرفتها بالعائلة التي تملك المنزل في سعدنايل: «قدّموا لنا الملجأ من دون مقابل. وأمس أحضر لنا سعاة الخير صندوق كرتون فيه أغذية. وأتونا بأغطية وفراش لكل عائلة. أعطونا الحليب للأطفال، الله يعطيهم العافية». أما الطبابة، فمؤمنة لكل نازح سجل اسمه ومكان سكنه على بطاقة من البلدية، تخوله العلاج والحصول على دواء من دون مقابل». الأهالي في سعدنايل لم يعبروا عن انزعاج من وجود هذا العدد من النازحين السوريين في بلدتهم. أئمة المساجد كما الجمعيات، حريصون على اعتبار احتضان هؤلاء قضية دينية وأخلاقية سامية. هذا الأمر تتحدث عنه السيدة وهي تروي أن الجميع لاقاهم بالترحاب، لكن «الواحد منا، بيننا وبين أنفسنا يحس بالثقل. عندما يكون الشخص في بلده يختلف الأمر. الله يهدّي الأحوال بالمعرة، بدنا نروح». تتدخل الشقيقة لتروي فصولاً أخرى. تقول إن زوجها مقعد، وان زوج شقيقتها خرج بعربة ليبيع الكعك من أجل تأمين المصروف «فصندوق الإعاشة لا يكفي. وبرقبتنا صغار، والأسعار في لبنان مرتفعة جداً». تستعيد يوميات المعرة لدى سؤالها عن مسلحين في بلدتها: «أي مسلحين؟ كان كل شيء عادياً، وفجأة دخلوا (الجيش السوري). كنا نعيش في أمان، ولكن منذ صارت المشاكل، لم يعد أحد يأمن الخروج من داره. من يرونه يذبحونه ولا نعرف من يقتل ولماذا. الآن لا نعرف شيئاً عن الحال هناك. حتى الاتصالات انقطعت، وبيوتنا لا نعرف إذا بقيت. احتلوا بيوتاً كثيرة غادرها أصحابها». ترتفع ضحكات الصغيرات اللواتي تكاد صورتهن أن تكون واحدة: ضفائر شقر ووجوه حمر متشققة وخجل بينما يتحدثن عن اشتياقهن للمدرسة في المعرة و«المنشية» والرفيقات. ولدى سماع الأم تتحدث عن ذعر إحداهن من دوي القصف، تبادر أكبرهن: «صار قتلى كتير، لكنني لم أخف. كانت ماما تصرخ وترتجف وتطلب أن نقول: يا لطيف يا لطيف». قرب المنزل- الملجأ تقع «رابطة أبناء سعدنايل» التي تتولى التواصل مع النازحين. يقول الحلبي إن شبان سعدنايل أخذوا على عاتقهم بداية، تقديم المساعدة للنازحين على قاعدة «إذا دق شخص خائف باب بيتنا لن نقفله في وجهه». البداية إذاً كانت بتبرعات دعا إليها أئمة المساجد، إضافة إلى مساعدات قدمتها جمعيات ائتلاف الخير والرابطة والهيئة الصحية وأزهر البقاع. وصار كل من يملك غرفة أو دكاناً مقفلاً يقدمه لعائلة نازحة. عندما ارتفع عدد النازحين، استؤجرت منازل تدفع بدلها البلدية والجمعيات التي انضم إليها سعاة خير عرب وجمعيات محلية وأجنبية وخليجية، أما «تيار المستقبل» الذي توسم البلدة باسمه ف «لم يقدم ليرة واحدة لنازح في سعدنايل» كما يقول الحلبي. «النازحون إلى سعدنايل يصلون إليها من مشاريع القاع أو عرسال عبر «التهريب» أي أنهم يخرجون من الأراضي السورية في صورة غير شرعية، ولا تسجل أسماؤهم على الحدود. أما الجرحى بينهم، فينقلون عبر أشخاص أو عبر الصليب الأحمر إلى مستشفى شتورة أو الشمال بحسب الحالة. ولمستشفى شتورة قصة صارت معروفة. في البداية كان الناشطون يتعرضون لمضايقات قالوا إنها من مخابرات الجيش ومن عناصر «حزب الله»، ما اضطرهم أحياناً إلى تهريب جرحى من المستشفى إلى الشمال. أما بدل العلاج فكانت تتكفل به التبرعات»، يضيف الحلبي. هل نقلتم مقاتلين للعلاج في لبنان؟ يجيب: «لا نعرف إذا كانوا مقاتلين أو مسلحين. ننقل جرحى، وبعد العلاج يعودون إلى بلادهم. نحن لا نعرف أصلاً إذا كان بين المصابين مَن هم مع النظام السوري، ولكن من باب الحذر ولأسباب أخرى أمنية نجمع معلومات عن الشبان الموجودين في البلدة وأماكن سكنهم». عرسال على بعد نحو ساعة ونصف ساعة من سعدنايل، تبدو عرسال هادئة بينما الأهالي متجهون للمشاركة في تظاهرة دعماً للثورة في سورية بعد صلاة الجمعة. على طريق فرعي قرب مدخل البلدة يغص مستوصف رفيق الحريري بالنازحين ومعهم أطفالهم. تتحدث الناشطة العاملة في المستوصف وهيبة الفليطي عن 27 عائلة دخلت عرسال في الليل الفائت. وتقول انه بعدما كان النزوح في الأسابيع الماضية من مناطق حمص وبابا عمرو تحديداً، صار كثيفاً من مناطق القصير وجوسية والنزارية، وبين النازحين جرحى كثر. وتتحدث عن استضافة البلدة النازحين في بيوت لا يشغلها أصحابها وفي مصليات، لكن «البلدة قد لا تتسع لنازحين جدد. وإذا استمر التدفق لا نعرف ماذا سنفعل»، وهو أمر يبدو رئيس البلدية علي الحجيري قلقاً منه، خصوصاًَ أن لا اعتراف حكومياً بقضية النازحين إلى البقاع، ما يحمّل البلديات مسؤولية جسيمة. الفليطي تشير إلى مساعدات طبية كثيرة تقدم للنازحين، بعضها من منظمة «أطباء بلا حدود» وتتردد أقاويل عن نيتها إنشاء مستشفى ميداني في البلدة، إضافة إلى مؤسسات أخرى مثل «أم آي سي» الطبية، كما قدم بعض الصيدليات إلى المستوصف أدوية مجاناً. وتلفت إلى أن السوريين يحاولون التكتم كثيراً لدى الإدلاء بمعلومات عنهم وعن عائلاتهم، خصوصاً الشبان. وتروي أن «أحد الجرحى بدا متكتماً على اسمه واسم بلدته، ولما أصررنا، أعطى اسم شاب من البلدة. لاحقاً عرفنا من سوريين آخرين أنه مقاتل، وأنه عاد إلى سورية». «لعيونك يا حمص. الدم والمال والروح بترخص»، اللافتة هذه رفعت على مدخل عرسال. وفي بيوت كثيرة في البلدة يروي نازحون أن ثياباً وأطعمة وأدوية قدمت لهم، وان أحداً لم يبخل بشيء، إنما على ألسنة كثيرة تكرر عتب على حكومة لبنان التي «لم تنظر لحالنا». في مصلّى يصعب الوصول إليه بالسيارة، بسبب رداءة الطريق، تقطن عائلة من ثمانية أشخاص، يقول الشاب من آل عمار والذي لم يتجاوز عمره 16 سنة إن حالها أحسن من أحوال غيرها بكثير. المقارنة هنا بين حال العائلة ووضع أقارب له نزحوا إلى مصلى آخر في البلدة. في ذاك المصلى ترقد صبية تتعافى من إصابة برصاصة في الرأس، بينما العائلة كلها لم تتعافَ من صدمة مقتل الابنة الأخرى برصاصة أطلقها العسكري نفسه. حكاية الصبيتين يرويها الشاب: كانوا طالعين من الزرار، عندما أوقفهم الحاجز طالباً منهم العودة. وبينما تلتف السيارة أطلق العنصر الرصاص عليها فأصاب رغدة (13 سنة) وقتل ملك (18 سنة). دفنا ملك وخضعت رغدة لعلاج أولي. بعد ثلاثة أيام هربنا مجدداً». لقصة الهروب شرح يطول. ويقول الشاب: «صرنا نتنقل ضمن مجموعات من خمسة. واتفقنا على أن من يسقط منا برصاص القناص نتركه ويكمل البقية الطريق. دخلنا بيوتاً كثيرة نعرف أنها آمنة، إلى أن وصلنا إلى الحدود. هناك وضع الله في طريقنا أولاد حلال أمنوا دخولنا إلى لبنان». ولكن، لماذا إلى عرسال؟ يجيب الشاب: عرسال آمنة، ويبتسم. وبعد إلحاح، يقول: «المناطق الثانية لحزب الله، ونحن ما صدقنا كيف هربنا من اللي عندنا». هرّبونا الى لبنان حرصاً على شرفهم تتوسط الأم المتشحة بالأسود كنّتيها وابنتها، وتشير بيدها صوب طفلة رضيع لم تكمل الشهر، لتسأل: ما ذنب هذه الطفلة أن تأتي الى العالم ولا ترى والدها؟ السؤال أثار موجة بكاء لا يبدو أنه غاب اصلاً عن هذا المنزل الذي قدمته عائلة من عرسال تقطن في منزل مجاور، الى ست عائلات من آل عامر، لكل منها أربعة أطفال. العائلات نزحت من القصير الإثنين قبل الماضي «عندما اشتد القصف هناك». أما تفاصيل الهروب، فتطلب الأم التكتم عنها، تقول: «لا نعرف كيف هربنا. دبّروا لنا الوضع وأتينا الى هنا فوراً». تلك العائلات لم تتسجل بعد لدى البلدية، لأن «الرجل الوحيد معنا مسن ومريض بالسكري. نحن نساء لا نجيد التصرف في هذه الحالات». تتولى الابنة الحديث نيابة عن أمها بعد أن دهمتها نوبة بكاء مفاجئة: «أخي استشهد قبل هروبنا بثلاثة ايام. دفناه وجئنا. زوجي معتقل منذ ستة أشهر ولا نعرف عنه شيئاً. أخي كان قاصداً الدكان لشراء خبز عندما دهم الجيش البلدة وأطلق عليه القناصة رصاصة أردته. وزوجي كان عائداً من وظيفته عندما أخذوه ولم نعد نعرف عنه شيئاً». تدلّ على زوجة اخيها الاخرى التي لم تبلغ بعد العشرين من عمرها وتتابع: «هذه أيضاً زوجها شهيد. قتله قناص». يثير السؤال عما اذا كان القناص من المسلحين أم الجيش النظامي الكنّةَ الثانية، فتردّ بانفعال: «ليس عندنا مسلحون، ولو كان عندنا لما فعلوا بنا هذا. الله عليه»، فتنهرها حماتها قائلة: «يصطفل شو بدنا فيه»، قاصدة الرئيس بشار الاسد. تتشارك الشابات الثلاث والام الحديث لترسمن صورة كاملة: عندما تركنا القصير لم يكن بقي فيها الا عائلات قليلة لا نعرف ما حل بأفرادها. الله لا يوفقه. والرجل الوحيد معنا مسن مريض، ولا يكفّ عن البكاء، خسر شابين والخمسة الباقون لا نعرف عنهم شيئاً بعدما فروا الى الجبال، ليس لأنهم ارتكبوا جرماً، بل لأن الجيش ما ان يدخل الى بلدة حتى «يلمّ» كل من يقع تحت يده، ومن لا يُقتل يختفي اثره. يتذرعون بالمسلحين ليدخلوا الى البلدات. دهموا بيوتنا وسرقوها بحجة البحث عن المسلحين. يشهد الله كيف أوقفوا الدبابة على باب البيت وحملوا عليها كل ما في المنزل من ادوات كهربائية وأغطية ومواد. لو وجدوا سلاحاً في المنزل لقلنا إن لهم الحق. باتوا ليلتين في بيوتنا... البلدة بأكملها عرفت ما حل بالنسوة في حمص، عندما اجبروهن على التجرد من ملابسهن والسير عاريات امام الدبابات، بينما الجنود يسخرون منهن. رفض إخوتنا ان يحصل لنا ما حصل لنساء حمص، فساعدونا على الفرار الى لبنان حرصاً على عرضهم وشرفهم». تدفع الرواية الأم الى البكاء مجدداً، وتقول: «كل واحدة منا كان عندها دار. هجّرنا...». تقاطعها ابنتها بالصراخ: «الله لا يوفقه، هجّرنا من ديارنا». وعما اذا كان التهجير طاول البلدات السنّية دون غيرها، تقول الام: «حرام هذا الحكي. هذا يروّج له النظام. القصف لا يميّز بين سني وعلوي ومسيحي. جيراننا المسيحيون رحلوا قبلنا، وتركنا مفتاح بيتنا عند جيراننا العلويين وعرفنا اخيراً انهم هجروا أيضاً». هل تتمنى الأم لو لم تحصل الثورة في سورية؟ تجيب: «والله كان احسن. كانت العالم حاسدتنا على عيشتنا. كان أمن وأمان، صار بدهم حرية هلق». تتدخل الكنّة: «بالنسبة الى الميسورين في سورية، الحال قبل الثورة كان أفضل. ولكن للفقراء الموت ولا المذلة. الرجال تُذَل من اجل برميل مازوت سعره 7 آلاف. والفقير من وين بيجيب؟». فترد الاخرى: «بالنهاية طلعت براسهم. هذا عمي عمره 50 سنة سرقوا له سيارتين خلال بحثهم عن مسلحين، ولما راح ليطالب بهما اعتقلوه ولا نعرف مصيره. وزوجته دفعت اموالاً طائلة للذين يعدون بإرشادها الى سبيله، لكنهم أخذوا الأموال وأنكروا». لبنانيون - سوريون تفتح قضية السوريين النازحين الى لبنان الباب امام مشكلة انسانية لها طابع خاص. فبين النازحين الذين يقطنون بلدات سورية مثل جوسية وغيرها اشخاص يحملون الهويات اللبنانية، وان كانوا عاشوا حياتهم كلها جزءاً من الشعب السوري. من هؤلاء ثماني عائلات نزحت قبل 20 يوماً هرباً من القصف، وتوزعت بين منازل قدمها اهالي من عرسال. غير ان المشكلة كانت في رفض احتساب هؤلاء في عداد النازحين السوريين، مع العلم ان بيوتهم تقع في سورية وانهم تركوها خوفاً من القتل. بين هؤلاء النازحين نساء حوامل واطفال رفضت المستوصفات استقبالهم مجاناً لأنهم ليسوا سوريين.