بعد فشل معارضي النشاط الرقابي الذي تمارسه وكالة الأمن القومي الأميركية على وسائل الاتصال في تمرير قرار يهدف إلى خفض الأموال المخصصة لبرامج التجسس الأسبوع الماضي، يشهد الكونغرس الأميركي تشكيكاً متزايداً في برامج التنصت التي كشف عنها المستشار السابق في الاستخبارات ادوارد سنودن. واستمع مجلس الشيوخ باهتمام كبير أمس، إلى إفادات رؤساء وكالات الاستخبارات بشأن تلك المسألة. وقد تشكل تسريبات سنودن بالنسبة إلى الكونغرس، فرصة لاستعادة السيطرة على برامج المراقبة على الاتصالات التي تنتهك حقوق المواطنين الدستورية بنظر العديد من النواب والشيوخ. واضطر البيت الأبيض ورؤساء الحزبين الجمهوري والديموقراطي إلى بذل جهود مكثفة لتفادي إقرار خفض الأموال المخصصة لبرامج التجسس، ولكن وعلى رغم ذلك، لم يلتزم العديد من النواب بالتعليمات وصوتوا لصالح الحد من المبالغ المخصصة لوكالات الاستخبارات. وقال السناتور الديموقراطي رون وايدن العضو في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ والذي شارك في جلسات الاستماع أمس، إن «وجود مثل هذا الاندفاع قبل مناقشات هذا الأسبوع سيساعدنا كثيراً». وأضاف: «سنبذل كل ما بوسعنا لمحاولة الحد من هذه البرامج، ونحظى بدعم متزايد منذ عملية التصويت الأخيرة في المجلس». وتابع وايدن: «نعتقد أنه بعد معرفتهم الحقيقة كاملة، فإن معظم الأميركيين سيوافقوننا على أنه يجدر بالبيت الأبيض وضع حد لعمليات التسجيل الموسعة لبيانات الأميركيين الهاتفية. وبدل الحصول على المعطيات مباشرة من شركات الهاتف، يجب الحصول على إذن من محكمة للوصول إلى هذه البيانات لكل من الحالات المشبوهة». وفي توافق نادر، تبنى الجمهوريون والديموقراطيون موقفاً موحّداً بشأن هذا الملف الشائك. ودعا السناتور الجمهوري مايك لي الذي شارك أيضاً في جلسات الاستماع أمس، إلى التثبت من أن حقوق الأميركيين «لا تتراجع ببطء» بحجة أن الأمر يقتصر على جمع بيانات الاتصالات الهاتفية من دون الاطلاع على المكالمات بحد ذاتها. وانضم لي المحافظ المتشدد الشهر الماضي، إلى الليبرالي باتريك ليهي لاقتراح قانون يحد من نفوذ وكالة الأمن القومي. ويقضي القانون الذي طُرح على مجلس الشيوخ بوجوب أن يكون هناك تحقيق جار في قضية إرهابية من أجل الحصول على بيانات الاتصالات الهاتفية. كما يطالب السناتور الجمهوري تشاك غراسلي بإصلاح برامج الاستخبارات. وقال في هذا الصدد: «في هذه الملفات العديد من العناصر السرية التي لا يتحتم أن تكون سرية». كما يبدي الأميركيون تحفظات بشأن القوانين التي تحكم عمل وكالات الاستخبارات. واظهر استطلاع للرأي أجراه معهد بيو للأبحاث الجمعة الماضي أن 56 في المئة من الأميركيين يرون أن المحاكم الفيديرالية غير قادرة على فرض حدود مناسبة لعمليات جمع البيانات التي تقوم بها الحكومة. وفي سياق متصل، قررت بلدان التحالف البوليفاري لدول أميركا اللاتينية (البا) أول من أمس، رفع شكوى إلى الأممالمتحدة على خطة التجسس الأميركية التي كشفها سنودن. ويعتزم قادة دول التكتل التسع إنشاء «مجموعة فنية» مكلفة إعداد «هذه الشكوى» التي ستقدم في أيلول (سبتمبر) المقبل، بموجب اتفاق تم توقيعه خلال قمة إقليمية في غواياكيل في الإكوادور. من جهة أخرى، نصح والد سنودن في مقابلة بثها التلفزيون الروسي العام أمس، ابنه بالبقاء في روسيا، حيث لا يزال عالقاً في مطار موسكو، وطالباً اللجوء الموقت إلى روسيا. وقال لون سنودن لابنه: «كل شيء على ما يرام هنا. نحن نحبك وسنلتقي من جديد قريباً، لكن قبل كل شيء أريد أن تبقى في أمان». وأضاف: «أعتقد أن روسيا لديها النية والإمكانية لحماية ابني. لو كنت في مكانه لبقيت في روسيا». روسيا تدافع عن مانينغ على صعيد آخر، اتهمت وزارة الخارجية الروسية أمس، السلطات الأميركية بتطبيق معايير مزدوجة في قضية الجندي الأميركي المتهم بتسريب وثائق سرية إلى موقع «ويكيليكس» برادلي مانينغ. وصرح مفوض الخارجية الروسية لحقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية قسطنطين دولغوف بأنه «إذا كنت تطلب من الآخرين مراعاة حرية التعبير بشكل كامل، فعليك أن تطبق هذا المبدأ على نفسك أيضاً، وفي حال الكيل بمكيالين فإن ذلك سيثير انتقادات من قبل حكومات أخرى وكذلك المؤسسات الحقوقية». وفي السياق نفسه، وصف مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج، إدانة مانينغ، بتهمة التجسّس بأنها «سابقة خطيرة». وقال أسانج من السفارة الإكوادورية في لندن إن حكم القضاء الأميركي بإدانة مانينغ ب5 تهم تجسس، «سابقة خطيرة» و «تطرّف خطير في الأمن القومي». واعتبر أن محاكمة مانينغ «لم تكن أبداً عادلة»، مضيفاً أن مانينغ «ليس مذنباً بأي شيء بل هو بطل في المطالبة بشفافية الحكومة وخضوعها للمحاسبة والإظهار للشعب الأميركي وباقي العالم، الجرائم التي ارتكبتها الحكومة الأميركية». ورأى أن الضحية الوحيدة في هذه القضية هي «الكبرياء المخدوش» للحكومة الأميركية. وأكد أن «ويكيليكس لن يقف مكتوف اليدين حتى ينال (مانينغ) حريته»، مشيراً إلى وجود طعنين مقدمين لدى النظام القضائي الأميركي والمحكمة العليا. وكان القاضي العسكري دينيس ليند، في قاعدة فورت ميد شمال واشنطن حيث يُعتقل مانينغ منذ حزيران (يونيو) الماضي، برّأ أول من أمس الجندي الأميركي، من تهمة «مساعدة العدو»، لكنه أدانه ب5 تهم تتعلق بالتجسّس و5 بالسرقة قد تعرضه للسجن 20 سنة. يذكر أنه في شباط (فبراير) الماضي اعترف مانينغ (25 سنة) بتسريب مئات الوثائق السرية، لكنه نفى 12 تهمة موجهة إليه من بينها مساعدة العدو، إلا أنه أقرّ بذنبه ب10 تهم أخرى.