لم يهنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقصره الجديد الذي طالما منّى النفس بالانتقال إليه، منذ أمر بتشييده قبل 5 سنوات، وكان آنذاك مشروعاً لإقامة رئيس الوزراء ومكتباً له، لعل أردوغان كان يحلم منذ ذلك الوقت بأن يكون رئيساً للجمهورية. لكن بعدما تحقّق الحلم، بات من الأَولى أن يتحقق مشروع القصر الأبيض، من مخطط هندسي على ورق، إلى مبنى شُيِّد تبعاً لأعلى معايير الفخامة والرفاهية والأمان، ما يليق بإقامة الرئيس. وبعد إعلان كل أحزاب المعارضة مقاطعتها الاحتفال بعيد الجمهورية الذي كان سيفتتح خلاله أردوغان قصره الجديد، ألغي الاحتفال لتجنّب أزمة سياسية، بحجة التعاطف مع 18 عاملاً محاصرين في منجم جنوبتركيا. القصر الذي يعتبره أردوغان مكافأة على مسيرته السياسية، ويسمّيه كثيرون «قصر الأحلام» أو «البيت الأبيض»، أثار زوبعة جدل بسبب موقع إنشائه ومدى رفاهيته. وأردوغان الذي رفض منذ انتخابه رئيساً للجمهورية في حزيران (يونيو) الماضي، لأسباب لا يعرفها أحد سواه، أن يقيم في قصر شانكايا الذي كان سكناً لجميع رؤساء تركيا، أمر بتشييد القصر في أرض على مشارف أنقرة، هي حديقة خاصة لمؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، تركها وقفاً لتكون متنزهاً لأهل العاصمة. وإضافة إلى ما يحمله اختيار الموقع من مغزى، إذ ترى فيه المعارضة طمساً للإرث الأتاتوركي، ظهرت مشكلة قانونية، باعتبار الأرض وقفاً يُمنع البناء عليه. وعلى رغم أن ثمة قضية مرفوعة ضد المبنى، وقراراً من محكمة بوقف البناء إلى حين النظر في القضية، يقيم أردوغان الآن في هذا القصر الذي يُطلّ على غابة أتاتورك الضخمة. لذلك رفضت أحزاب المعارضة دخول المبنى الذي اعتبرته «عشوائياً» خارجاً عن التنظيم العمراني، ومثالاً صارخاً على ازدراء الرئيس القضاء وأحكامه. ويحيط غموض بالقصر الجديد، إذ يبرّر مقرّبون من أردوغان عزوفه عن الإقامة في قصر شانكايا، بشكوك تراوده في وجود أجهزة تجسس وتنصت مزروعة في كل زاوية فيه. وكان الأمن أهم ما شغل أردوغان في قصره الجديد، إذ لم يُتَحْ لأحد إلى الآن التجوّل في أرجائه كاملة، كما أن غرف الاجتماعات فيه بلا مقابس كهرباء أو خطوط هاتف، منعاً لأي خرق إلكتروني. القصر الذي كبّد موازنة الدولة نحو 450 مليون دولار، تثير مساحته حفيظة كثيرين، إذ تتحدث وسائل إعلام عما يراوح بين 150 و300 ألف متر مربع، تضمّ ملحقات بينها مسجد وعمارات سكنية. وأوردت وسائل الإعلام أن مساحة قصر أردوغان أضخم من قصر الإليزيه في فرنسا وباكنغهام في بريطانيا والبيت الأبيض في الولاياتالمتحدة، وحتى الكرملين مع الساحة الحمراء في روسيا، وحاضرة الفاتيكان بكاملها، بل إنه أكبر بمرات من قصر دولمه باهشة في إسطنبول. وبدل تذكّر أتاتورك وظروف إعلان الجمهورية في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1923، انشغل كثيرون بالحديث عن القصر الجديد. وبعد إلغاء الاحتفالات بعيد الجمهورية، بسبب العمال المحاصرين في المنجم، لم ينزل كثيرون إلى الشارع للاحتفال كما في كل سنة، لكن أهالي مدينة ماردين جنوبتركيا استيقظوا على أصوات احتفالات عمّت شوارع المدينة، اعتقد بعضهم أنها لمناسبة عيد الجمهورية، لكن من خرج منهم فوجئ بأن الاحتفال كان لاستقبال قوات «البيشمركة» الكردية الآتية من شمال العراق، لكي تساند بني جلدتها في عين العرب (كوباني) السورية، مستخدمة تركيا جسراً برياً.