أينما تنقلنا بين القنوات يقفز مسلسل «العراف»، فهو أكثر المسلسلات انتشاراً في رمضان هذا العام، والسبب مفهوم وهو أنه للنجم عادل إمام، فهل هذا السبب يكفي وحده لهذا الانتشار؟ الإجابة لها أسباب عدة، فالمشاهد يراهن دائماً على البهجة والبحث عن ضحكة بعدما عز الضحك الآن وتحولنا كائنات سياسية مهمومة بما يحدث في الشارع. ثم إن المشاهد يبحث عن التسلية والبعد، ولو للحظات، عن الأعمال الجادة التي تذكره بما يحدث في الواقع بدلاً من أن تنسيه إياه. وثالثاً فإن هذا المشاهد يتوقع من مسلسل لعادل إمام مساحات واسعة من الفرجة. والفرجة هي فن استعراض ما في الحياة من اختلافات وتناقضات بأسلوب فني ممتع، أي أنك تجلس أمام العمل كي تتفرج على ما يحدث لهذه الشخصية أو غيرها من أحداث ومآسٍ وكيف تتغلب عليها، أو حتى لا تتغلب وإنما كيف تقابل الشخصيات الدرامية ما يحدث لها. وفي هذا الأمر تحديداً فإن مسلسل «العراف» يقدم لنا فرجة مهمة جداً على شخصيات وحيوات تعيش معنا في الوطن نفسه، ولكن لا يوجد بينها إلا رابط المكان أو ربما الزمان. فعلى مدى 13 حلقة بحثنا مع بطل المسلسل عن أبنائه من زوجاته العديدات، لنكتشف أن واحداً منهم من أم ثرية ترى العالم من القمة (شريف رمزي الابن وشيرين الأم) ثم نكتشف أن الثاني بورسعيدي يعمل في تجارة كل شيء ويطارده الجميع لنصبه عليهم (أحمد فلوكس) والثالث أصبح متطرفاً أطال ذقنه وتزوج أربعاً وأنجب 15 طفلاً وطفلة (محمد عبدالحافظ). باختصار، هذا العمل يضعنا أمام فرجة كبيرة، قد نصدق أن مثل هذا أو جزءاً منه يحدث في الحياة، أو أنه أفكار مؤلف المسلسل يوسف معاطي الذي يجيد كتابة هذه النوعية من الأعمال المعتمدة على أفكار من الواقع يشتغل معها الخيال ويجنح بها إلى درجات من الإثارة والسخرية والكشف عما يحتويه العقل المصري من نقاط كامنة تحتاج إلى كشفها وفضحها. وفي «العرّاف» مباراة بدأت من الحلقة الأولى بين المجرم والضابط، بين النصاب الشاطر الذكي (عادل إمام) وبين الضابط الذي يطارده لثلاثين عاماً (حسين فهمي) والذي سحب طلب تقاعده من الخدمة ليعود إلى مطاردته بعدما أدرك أنه – أي النصاب – عاد إلى الخدمة بعد سنوات من الصمت. ولأنه – أي النصاب – انتحل أسماء شخصيات تنقل بينها على مدى عمره فإنه لا يعرف شخصيته الحقيقية، وهذه أزمة أخرى، وكل أزمة يواجهها البطل وتهدد بالقبض عليه يأتيه الفرج أحياناً من قدرته على التفكير بسرعة، ومن الآخرين الذين لا يعرفون الحقيقة. وفي هذا الملعب الدرامي الكبير يتحرك أكبر عدد من الممثلين من أجل العمل مع عادل إمام، أسطورة الفن في مصر، أو إحدى الأساطير التي تتحدى الزمن بقدرتها على الاستمرار في تقديم أعمال ممتعة من خلال تنوعها. إنه فنان التنوع كما هو الفنان الذي لم يفقد قدرته على إضحاك المشاهد على مدى نصف قرن، ومهما كان حجم الضحكة.