موسم العراق التلفزيوني في شهر رمضان مزدحم بالمفارقات، لكنه فقير في المضمون. التوقيت المخصص لبث مواد المسابقات، وبرامج الجوائز والهدايا، يزداد على حساب الدراما المحلية، وبعض المحطات بدت خارج السياق الزمني للمناخ السياسي والثقافي، فدفعت لشراء حقوق «كوميديا» سورية! ربما يكون هذا أبرز ما في المحطات العراقية التي عوّلت على كسب مزيد من الجمهور خلال هذا الموسم، باستثناء بعض الأعمال الجادة درامياً. ودون هذه المفارقات، تواصل محطاتٌ الإخفاق في إنتاج مواد رصينة، فخرج رمضانها التلفزيوني بدعاية «سمينة»، لكن بمواد توزعت بين برامج تكرر، حرفياً، أفكاراً مصرية، وإعادة مسلسلات أُنتجت العام الماضي، على أنها «الجزء الثاني». قناة «البغدادية» التي تبث من القاهرة، ويديرها رجال الأعمال العراقي عبد عون الخشلوك تعوّل هذا الموسم على مسلسل «علي الوردي» (تأليف عباس علي وإخراج عبد الباري أبو الخير وسامي جنادي)، وهو من أعمال السيرة التي تتناول حياة أحد أبرز علماء الاجتماع في البلاد. وبثت الحلقات الأولى منه على رغم اعتراض عائلة الوردي، التي قالت إنها ترفض تناول سيرة عالم الاجتماع المعروف في أي إنتاج درامي. وأضافت إنها ستلجأ إلى القضاء بسبب إصرار القناة على بث المسلسل. ولقناة «البغدادية» أيضاً، حقوق حصرية لدراما عربية وسورية، لكنّ برنامجها «هنّدس» يثير نقاشاً من نوع أخر. فهو يستعير فكرة برنامج «رامز عنخ أمون» التي يقدمها الممثل المصري رامز جلال في قناة «الحياة» الفضائية. ولا تبدو الحلقات العشر الأولى منه متقنة إلى حد كبير، لكنها وجدت جمهوراً يفوق عدد الذين يحضرون مسلسل «علي الوردي». تواضع في الانتاج قناة «السومرية»، قدمت موسماً رمضانياً متواضعاً، حتى إذ لم تظهر المحطة بإنتاج درامي كعادتها في السنوات الماضية، واكتفت بشراء حقوق مسلسلين كوميديين من سورية. المسلسلان من أجواء متشابهة، وهما «الحائرات» الذي يخرجه سمير حسين وتأليف أسامة كوكش، وأدى أدوار البطولة فيه أسعد فضة وجهاد سعد ورشيد عساف ونادين خوري وفاديا خطاب، وغيرهم. والثاني «سوبر فاميلي» من إخراج فادي سليم وبطولة زهير رمضان وسلمى المصري وجرجس جبارة وغادة بشور. والمسلسلان قدّما مشكلات سورية في 2013، على أنها «لا تتجاوز التفاعل اليومي بين سوريين من الطبقة الوسطى»... هكذا تقول القناة في عرضها لملخص المسلسل. وقد يكون الجزء الثالث ل «ولادة من الخاصرة»، المادة الدرامية الوحيدة من سورية التي يمكن أن تنقذ القناة من موسم فقير. وفي «السومرية» أيضاً، حيث تقلصت الفترات الإخبارية، وأُرجئت مواد سياسية إلى ما بعد رمضان، ثمة وقت لبرامج المسابقات التي تصل قيمة جوائزها، كما في برنامج «ماجينا يا ماجينا» الذي يخرجه وليد ملكي، إلى أرقام طائلة. البرنامج يبث في أوقات متفرقة لكنه يتفاعل مع الجمهور عبر وسائل التواصل على مدار الساعة. أما قناة «العراقية» التي تموّلها الدولة، وتتعرض إلى انتقادات لاذعة لميولها للحكومة، فقدمت إنتاجاً غزيراً، الى درجة أن الجمهور لا يجد وقتاً لمتابعة كل هذه المسلسلات. أكثر من سبعة أعمال في إنتاج هو الأضخم نسبةً إلى ما قدمته فضائيات عراقية في رمضان 2013، لكنّ القناة لا تزال سجينة فكرتين قررتا شكل وهوية المواد الدرامية التي أنتجت هذا الموسم؛ وهما الاستمرار في التعبئة ضد «ديكتاتورية نظام صدام حسين»، و«الاهتمام بسكان همشهم نظام البعث كما في منطقة الأهوار». ربما يكون مسلسل «حفيظ»، للكاتب سعد هدابي وللمخرج السوري سامي جنادي، علامة القناة المملوكة للدولة هذا الموسم. فهو ضخم إنتاجياً، ويضم ممثلين سوريين ومصريين وعراقيين، بينهم أيمن زيدان وسامح الصريطي ومرح جبر وإياد الطائي وسمر محمد وإنعام الربيعي. وصوّر «حفيظ» في محافظة ميسان (الجنوب)، حيث الأهوار المكان الذي تدور فيه قصة كائن أسطوري يحرس كنوز النبي سليمان. لكن «العراقية» قدمت عملاً للممثل قاسم الملاك تحت عنوان «التيتي.. جابي القطار»، واجه حملة انتقادات من مثقفين عراقيين، بسبب ضعف نصه وحواراته، إلى جانب إصرار الملاك، وهو ممثل عراقي مخضرم، على العمل بطريقة تقليدية لم تعد تلبي حاجة الجمهور. هدايا رمضان قناة «الشرقية» التي يملكها الإعلامي ورجل الأعمال العراقي سعد البزاز، رفعت مستوى اهتمامها ببرامج الهدايا في رمضان لتصل إلى منح منازل مؤثثة إلى فقراء في مناطق متفرقة من البلاد، على رغم انتقادات لطريقة عرض حاجة هؤلاء، واستثمار مثل هذه البرامج لاستعراض إعلامي لرأس مال كبير. وتقدم القناة مسلسلين، احدهما حمل اسم «ميم.. ميم»، وهو جريء قياساً للدراما العراقية، إذ يتناول مقطعاً عرضياً لمشكلات القاصرات في العراق وزواجهن الإجباري من رجال كبار في السن، ميسوري الحال، وفقاً ل»المتعة» و»المسيار». المسلسل من تأليف عبد الخالق كريم، وإخراج حسن حسني، ونال اهتماماً مقبولاً من جهة السيناريو والشكل التلفزيوني الذي ظهرت فيه المادة الدرامية. وعلى خلاف «ميم ميم» وقعت «الشرقية» بين فكي نقد مثقفين عراقيين بإنتاجها مسلسلاً عن شخصية «شلش العراقي» المثيرة للجدل. وشلش كاتب مجهول الهوية، لكنه نال اهتماماً في مواقع التواصل الاجتماعي عبر مقالات تنتصر للدولة المدنية في العراق وتهاجم محاولات القوى السياسية النافذة فرض هيمنتها على تجربة العراق الجديد. شلش حاز شعبية كبيرة في السنوات الخمس الأخيرة، ما سبب الهجوم الذي تعرض له مسلسل للرسوم المتحركة في «الشرقية»، حمل اسمه، وكان أعاد تعريف الكاتب النقدي بوصفه شخصية هزلية هامشية في المجتمع على غرار مسلسل «العتاك»، العام الماضي. ولقناة «الرشيد» حقيبة رمضانية، لكنّ مسلسلها الكوميدي «اكبر كذاب»، كان علامتها الفارقة، ولكن ليس لمادته او قيمته الحوارية أو الرسالة التي أطلقها. ف «اكبر كذاب» مسلسل حصلت شارته على الاهتمام الإعلامي أكثر من المحتوى الدرامي الذي من المفترض أن يكون ساخراً لكنه لا يزال يكرر مادة العام الماضي، اذ افترضت قصف نصب الحرية لجواد سليم في ساحة التحرير، وهروب تمثال كهرمانة من اللصوص الأربعين، إيذاناً بكذب كثير لم تتحمله حتى الأمكنة البغدادية.