تعهد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، بعد فوزه في انتخابات مجلس الشيوخ، بتكثيف سياسة الإنعاش الاقتصادي التي ينتهجها. لكن الآتي أصعب لأنه يمسك بمقاليد السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو يعلم أن الفشل في مهمته غير ممكن. ويمكن أن يمنح هذا النصر لأعضاء الحزب الديموقراطي الحر الذي ينتمي إليه آبي، ثقلاً أكبر في البرلمان لمقاومة التغير نظراً إلى عدم رغبة بعضهم في إجراء إصلاحات مؤلمة ولو كانت ضرورية للاقتصاد. وقال آبي في مؤتمر صحافي عقده أمس، «وعدنا الناخبين بتكثيف سياستنا الاقتصادية وقلنا إنه الحل الوحيد، فأصغوا إلينا وساندونا، وسنفقد ثقة الشعب إذا تراجعنا عن الإصلاحات وعدنا إلى الحزب الديموقراطي الحر القديم». وأكد أن «الأولوية ما زالت المضي في برنامج اقتصادي لجعل السياسة النقدية ناشطة ويسيرة، ويركز على النفقات الحكومية والإصلاح الاقتصادي». واعتبر أن الخطة تمثل «الركيزة الأساس لأهداف أخرى في سياساته». ولفت إلى أن «ليس سهلاً التغلب على 15 سنة من الانكماش»، مشدداً على أنه «مشروع تاريخي، وسنركز على ذلك. إذ لن نتمكن من تقوية القاعدة المالية للتأمينات الاجتماعية من دون اقتصاد قوي»، موضحاً أن «الأمر ذاته ينطبق على الأمن والديبلوماسية». وحصل الحزب الديموقراطي الحر وشريكه الأصغر حزب كوميتو الجديد على 76 مقعداً من أصل 121 جرى التنافس عليها. وسيطرت الكتلة الحاكمة بذلك فضلاً عن المقاعد التي لم تطرح في الانتخابات على 135 مقعداً من 242 في مجلس المستشارين. ويزيد هذا الفوز من احتمال تولي رئيس الوزراء منصبه لفترة طويلة للمرة الأولى منذ انتهاء فترة الإصلاحي جونيتشيرو كويزومي، التي استمرت خمس سنوات حتى عام 2006. وكان رئيس الوزراء أطلق قبل سبعة أشهر، استراتيجية إنعاش اقتصادي من ثلاثة محاور، سمّتها وسائل الإعلام «ابينوميكس» ولفتت انتباه الخارج. وفي مرحلة أولى أقرّ المصادقة على موازنات إضافية لتمويل أشغال كبرى، قبل أن يدفع بالبنك المركزي إلى تليين سياسته النقدية في شكل كبير بهدف إنهاء التضخم المزمن. بناء القطاع الزراعي واعتبر أنصاره النتيجة ناجمة عن تلك السياسة، في حين اعتبر منتقدوه أنها ناتجة من مصادفة انطلاق النشاط مجدداً في الاقتصاد الثالث عالمياً، الذي ارتفع فيه الناتج الداخلي بنسبة واحد في المئة في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي. ويُعدّ المحور الثالث الذي أطلقه آبي عشية الانتخابات أصعب الأهداف، ويتمثل بتعزيز قدرة اليابان على النمو عبر سلسلة من الإصلاحات التي تتراوح بين إعادة بناء القطاع الزراعي المتقادم إلى إبرام اتفاقات للتبادل الحر مع الولاياتالمتحدة ومنطقة المحيط الهادئ والاتحاد الأوروبي، وأخيراً الثنائي الصين - كوريا الشمالية مروراً بسلسلة من التحرير من الإجراءات. وتنوي الحكومة التي يدعمها أرباب العمل، تعديل قواعد سوق العمل، وهو مشروع يخشى اليسار والنقابات أن يؤدي إلى تليين قواعد تسريح العمال في بلد كان يعرف أن التعاقد بين الشركات وعمالها يكون «على مدى الحياة». لكن صحيفة «ماينيشي» الشعبية حذرت من «ألاّ يعني فوز آبي الانتخابي «صكاً على بياض» يمنحه إياه الناخبون، بل رأت فيه «انتصاراً لغياب خصم». وبالفعل تراجع عدد المشاركين في انتخاب مجلس الشيوخ خمس نقاط مقارنة بالاقتراع السابق عام 2010 والى 52.60 في المئة، على رغم الترخيص للحملة الانتخابية وللمرة الأولى عبر الانترنت. وعزت الصحافة فوز آبي تحديداً إلى انهيار الحزب الديموقراطي الياباني (وسط يسار)، الذي خيب الآمال خلال فترة التداول القصيرة التي تولى خلالها شؤون البلاد من عام 2009 حتى عام 2012. ورأت صحيفة «ساهي» (وسط يسار) في انتخابات أول من أمس مثابة «العودة إلى فترة كان فيها الحزب الليبرالي الديموقراطي وحده» يحتكر السلطة من نهاية الخمسينات حتى عام 2009. ويدرك آبي، الذي انقشعت الآفاق أمامه في السنوات الثلاث المقبلة من دون انتخابات وطنية، أنه عرضة للانتقاد أكثر من السابق. وقال لزملائه في الحزب الليبرالي الديموقراطي، «لن نتمكن من الآن وصاعداً من مؤاخذة برلمان مقسم أو أحزاب معارضة إذا أخفقنا، فاليابانيون يراقبوننا». وخلافاً لمؤشرات البورصة، لم ترتفع الرواتب منذ عودته إلى السلطة، في حين يُرجح تضرّر القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة، في حال ارتفع التضخم مجدداً وفق ما تريده الحكومة لكن من دون زيادة في الرواتب. وحذر صندوق النقد الدولي أخيراً، من «أخطار كبيرة» في سياسة ابي، خصوصاً الزيادة في الديون العامة الضخمة أصلاً، في حال لم تبذل جهود سريعة لضبط الموازنة». لكن رئيس الوزراء أرجأ حتى الخريف قراره النهائي للنظر في احتمال زيادة الضريبة على الاستهلاك، وذلك «وفق الوضع الاقتصادي».