أذكر في أحد أحياء الرياض الأثيرة كنت أصلي في مسجد كبير وكنت أستغرب من أشكال من يصلون فيندر أن تجد أحدهم بلا علة بدنية ظاهرة! فالذي يعرج والذي لا يبصر جيداً ومن فيه «قل صح»، وكان السؤال يحيرني مع حرص والدي المشاكس الكبير ألا أصلي معه وأن أكون في الصفوف البعيدة «مهب عادة الوالدين أبد» وكانت أمي تقرأ علي قبل ذهابي للمسجد وكأنها المرة الأخيرة التي أصلي فيها! اكتشفت السبب في مراهقتي ومن طريق الصدفة، فقد كانت رامية صواريخ بمعنى الكلمة في مسجدنا! إنه الشايب أبوحمد يرتدي على الدوام نظارة سوداء وكأن فيه عشى أو لا يحب أن ينظر أحد لعينيه! وكان لا يخلعها أبداً بل أحياناً يرفعها قليلاً لتبرز مقلتيه الصغيرة.. وهي اللحظة الأخيرة التي ستراها فهو حينها يسدد قصفاً مباشراً أرض جو. يعدد لي الإمام عدد الضحايا على يده، فهذا رآه يثب على المسجد لأن البلاط حار فنعته بسعد شداد (عداء سابق يا جيل الأيباد) والآخر رآه في مطعم يأكل صحون المطبق بسرعة ويضعها بجواره فوصفه بأنه «كنه يصحح دفاتر» وجاب خبر المطبق كله! وشايب التقط ورقة لا تكاد ترى من المسجد فوصفه بمكنسة الكهرب.. والآخر «يتضوكع» بمشيته فوصفه بأنه كمن يحشر غنماً في حوش.. وهكذا الرجل يرى المشهد ويصفه ولا مثل البحتري أو المتنبي «فيجيب خبره» ولهذا لا أحد يحب يتميز بشيء أمامه أو يقوم برفع نظارته وقصفه ومن الغد ينتسب لإحدى جمعيات الحاجات الخاصة. تذكرته قبل أيام فقد رأيت أحد «المهجولين» في التحلية وعرفني مع أنني لم أتذكر ملامح وجهه جيداً، وبعدما عرفته لم أصدق إلا بعد حلفه.. فقد كان إمام مسجدنا لما كنت مراهقاً! لقد «زحف» وصار من المهجولين سألته عن حاله بعد النكسة فكان يحسبن على أبوحمد.. فقد رآه بعد أن ختم القران في التراويح وأجهش بالبكاء، فرفع أبو حمد نظارته ليمسح دموعه الخاشعة ومعلقاً على قراءة الإمام: «وش هالقراية والله لو يطب عليك توبيس من الشياطين أسلموا وصلوا معك». [email protected]