اعتبر زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة اللبنانية سعد الحريري ان «ما نشهده هذه الأيام من حوادث متنقلة في البقاع وطرابلس وعكار والمنية والضنية وسواها، نموذج صغير عن الحريق الكبير الذي شبّ في سورية ونتيجة لارتدادات الحرب التي سبق لبشار الأسد ان بشرنا بانتقالها الى لبنان ودول اخرى، وشاركت جهات لبنانية بصب الزيت على نارها، تارة بداعي حماية القرى الحدودية من الهجمات المسلحة، وطوراً بدعوى القيام بحرب استباقية تمنع وصول قوى التطرف والإرهاب الى لبنان». وتوجه الحريري في بيان الى اللبنانيين «في هذه الأيام العصيبة التي يسقط فيها من أبنائنا وإخوتنا الشهيد تلو الشهيد، ونواكب مسألة العسكريين المخطوفين على وقع صراخ الأمهات ومناجاة الآباء، فيما البلاد كلها تستصرخ الضمائر الحية للاتفاق على كلمة سواء توقف مسلسل السباق الى الفتنة وتحمي الجيش من الفخاخ المنصوبة له»، مذكراً بأن «التحذيرات التي أطلقتُها خلال الأشهر الماضية حول أخطار استدعاء الحريق السوري الى لبنان، لم تكن وجهة نظر تجاه ذهاب مجموعات لبنانية للقتال في سورية وقرار «حزب الله» الاشتراك في الحرب الطاحنة الى جانب بشار الأسد، بل كانت تعبّر عن مخاوف حقيقية من السقوط في هاوية الفتن المذهبية، خصوصاً بعدما أعلن ما يسمى ب «محور الممانعة» استخدام كل الوسائل لمنع سقوط الرئيس السوري ولو تطلب الأمر تدمير نصف سورية وتهجير الملايين من الشعب وإشعال المنطقة بالحروب الأهلية، وتسهيل السبل أمام التنظيمات الإرهابية لإنشاء إمارات أصبحت هدفاً لنقمة العالم وخططه العسكرية». ولفت الى ان «مناصري النظام السوري بذلوا جهداً إعلامياً وسياسياً كبيراً لتحميلنا حصة من مسؤولية الحريق وانتشاره في عدد من المناطق، بهدف إقامة توازن طائفي لبناني في الحرب السورية يبرر المشاركة المسلحة ل «حزب الله» في الحرب السورية، ويحقق له المساواة في ميزان الشر، بين الدعم الإنساني والسياسي الذي نقدمه للثورة السورية، وبين استباحة الحدود لانتقال آلاف المسلحين الى الداخل السوري للدفاع عن نظام بشار الأسد». وقال: «لا نريد ان ندخل في جدال عقيم حول المسؤوليات والأسباب وحدود التدخل في المأزق السوري، ولا نرغب بسلوك اي سبيل لاستنفار الحساسيات، خصوصاً انها في ذروتها هذه الأيام، وهناك من الأخطار والتحديات التي تستوجب حماية السلم الأهلي والتضامن حول الدولة وقواها الشرعية، والتفتيش عن الطرق والوسائل التي تسد منافذ الفتنة وتقي اللبنانيين شرور الوقوع في الصراعات الأهلية». لكنه رأى انه «لم يعد ممكناً مواجهة الأخطار والتحديات بمواقف كلامية وعدم الإنصات الى العقل والمنطق والمصلحة الوطنية والإصرار على خيارات سياسية وعسكرية وإقليمية، تفوق طاقة لبنان على التحمل، وتستبقيه على حافة النار الى ما لا نهاية، وتستجر اليه والى نسيجه الوطني انقسامات وولاءات خارجية». وتوجه الى «القيادات اللبنانية كافة، وعبرها الى اللبنانيين من كل الاطياف الروحية والسياسية، والى أخواتي وإخوتي وأهلي وأحبتي أهل السنّة في لبنان خصوصاً، مشدداً على منطلقات وثوابت» اولها «المباشرة فوراً في إطلاق مشاورات وطنية للاتفاق على رئيس جديد وإنهاء الفراغ في موقع الرئاسة الاولى في ما يؤدي الى استقامة العمل في المؤسسات والمواعيد الدستورية، وتحقيق تداول السلطة وفقاً للقوانين المرعية»، و «العمل على إعداد استراتيجية أمنية متكاملة يتولاها الجيش مع القوى الأمنية الشرعية اللبنانية، تخصص للتعامل مع ارتدادات الحرب السورية على لبنان، وتكون مسؤولة حصراً عن حماية الحدود مع سورية ومنع اي اعمال عسكرية في الاتجاهين، سواء نشأت عن مجموعات سورية في اتجاه لبنان ام مجموعات لبنانية في اتجاه سورية، على ان يشمل التطبيق النازحين السوريين المقيمين على الاراضي اللبنانية ومن يناصرهم من اللبنانيين وسواهم بدعوى الانتماء المذهبي او الولاء الى تنظيمات متطرفة، كما يشمل السوريين واللبنانيين وسواهم من مناصري النظام السوري والمتطوعين للقتال الى جانبه، ممن بات انسحابهم ضرورة وطنية ولا جدوى من انخراطهم في الحروب المجاورة». وشدد على ضرورة «السير قدماً بالخطة الحكومية للتعامل مع قضية النزوح السوري، واستنفار الجهود للتوصل الى آلية أمنية - اجتماعية تحقق التكامل بين الأهداف الأخوية والإنسانية لسلامة النازحين وشروط سلامة الأمن الوطني». وأكد ان «أهل السنّة في أساس تكوين لبنان واستقلاله ورسالته الحضارية، ولن يعيشوا تحت اي ظرف من الظروف عقدة الاستضعاف والإقصاء، على رغم المحاولات الدنيئة التي استهدفت رموزهم وعملت على بناء شروخ كبيرة بين اللبنانيين عموماً والمسلمين خصوصاً. فأهل السنّة في لبنان كانوا على الدوام ولا يزالون يشكلون القاعدة المتينة لأهل الاعتدال والوحدة، بل هم ركن متقدم من أركان الصيغة التي يقوم عليها وطننا، وهم مؤتمنون على إرث قومي ووطني، لن يفرّطوا به ولن يسلموا بالتراجع عنه، مهما اشتدت عليهم ظروف الاستقواء بالسلاح الخارجي وأسلحة الخارجين على الدولة ومؤسساتها الشرعية». الدعوات الى الانشقاق مرفوضة ولفت الى ان «كل الدعوات التي توجه للانشقاق عن الجيش، وتحريض الشباب السنّي تحديداً على ترك مواقعهم والالتحاق بتنظيمات مسلحة في لبنان او خارجه، مدانة ومرفوضة، ولن تلقى صدى مؤثراً لدى بيئة وطنية تشكل القاعدة الصلبة لبنيان الجيش من اهلنا في عكار والمنية والضنية والبقاع والإقليم خصوصاً، وهي القاعدة التي تصدرت بدماء شهدائها لائحة الانتصار على الإرهاب في معارك نهر البارد، وتتصدر في كل يوم لوائح الاستشهاد دفاعاً عن الدولة والسلام الوطني». ورأى «ان الدعوة الى ثورة سنّية في لبنان لا تنتمي الى تطلعات وأهداف وحقيقة السنّة في شيء، بل تتساوى مع المشاريع المشبوهة لإنهاء الصيغة اللبنانية واستبدال دويلات ناقصة تتمايز بالصفاء المذهبي والطائفي بها لتعيش على أنقاض الحياة الوطنية المشتركة». وأكد ان «موقفنا من الثورة السورية يرتكز الى المعاني النبيلة التي قامت عليها الثورة، وحق الشعب السوري الشقيق في الانتقال الى نظام مدني ديموقراطي ينهي مرحلة طويلة من الاستبداد الحزبي والتسلط الطائفي»، مشيراً الى «ان النظام السوري شوّه صورة الثورة وعمل على اختراق مكوناتها الشعبية وفتح الحدود من كل الجهات لتمركز قواعد الإرهاب والتطرف، إلا ان قناعتنا راسخة بأن الشعب السوري سيتجاوز المحنة، ولن يخضع لمعادلة الاختيار بين الاستبداد والإرهاب مهما تكاثرت أشكال اليأس والإجرام». نرفض لبنان الساحة وقال: «نحن معنيون بنجاح الشعب السوري في هذه المهمة الصعبة، بمثل ما هو معني بتجنيب لبنان الخراب الذي يحل في بلاده، والامتناع عن استخدام لبنان ساحة لتصفية الحسابات، سواء مع فلول النظام السوري وأتباعه المباشرين في لبنان، ام مع الجهات التي تقاتل في سورية بدعوى الحرب الاستباقية على التكفيريين»، معتبراً «ان تحويل لبنان الى ساحة تتساوى في الخراب مع التخريب القائم في سورية، واحدة من التمنيات العزيزة على قلب النظام السوري. والمجموعات الإرهابية والمسلحة التي تجيز لنفسها اختراق الحدود اللبنانية، والانتقام من «حزب الله» في عقر داره، اي في البلدات التي تصيب فيها المدنيين والأبرياء وتؤجج من خلالها عوامل الاحتقان المذهبي، إنما تعمل على إعطاء «حزب الله» ذريعة جديدة على تدخله في الحرب السورية وتوسيع نطاق عمله الأمني والعسكري في لبنان، بمثل ما تقدم من خلال ممارساتها في مناطق سيطرتها في الداخل السوري، النموذج الأسوأ الذي يعمل على تدمير الثورة وإسعاف النظام بالهدايا المجانية». وأكد الحريري انه «لا بديل من تحييد المسألة اللبنانية عن المسألة السورية، وتعطيل كل خطوط الاشتباك الأمني والعسكري بينهما، من خلال ضبط الحدود ذهاباً وإياباً في وجه كل الجهات المعنية بالتورط من دون استثناء، ووضع اليد بإحكام على ملف النازحين، وهي مهمات تتطلب توافقاً وطنياً واسعاً، وإرادة حكيمة في مقاربة الأزمة القائمة، وشجاعة في إجراء مراجعة نقدية لتجربة السنوات الاخيرة، وقراءة الأخطاء على حقيقتها ومواجهتها بما تستحق من قرارات». وقال: «أعلنّا اننا لا يمكن ان نغطي اي مرتكب يخالف قواعد العيش المشترك بين اللبنانيين، وسنواجه اي محاولة للنيل من الجيش ووحدته وسلامته ودوره في حماية اللبنانيين، ولن نغفر لأي جهة تتخذ من المواطنين الأبرياء، في طرابلس او عكار او المنية او الضنية او عرسال او صيدا، منابر للتطرف ومخالفة القوانين باسم الدين ونصرة أهل السنّة. والجدير بكل الشركاء في الوطن ان يضعوا نصب أعينهم مصلحة لبنان اولاً، التي لا يصح ان تتقدم عليها مصالح النظام السوري او مصالح جهات خارجية»، مؤكداً انه «آن الأوان لوعي الأخطار التي تترتب على التورط المتعمد في الحريق السوري، وفك الاشتباك بين الحدود اللبنانية والجبهة السورية، لأنه بذلك فقط نحمي لبنان ونوصد كل الأبواب في وجه الارهاب».