انصرفت مدينة طرابلس أمس الى محاولة لملمة جراحها جراء الاشتباكات العنيفة التي شهدتها على مدى 4 أيام بين الجيش اللبناني والمجموعات المسلحة المتطرفة الموالية ل «داعش» و «جبهة النصرة»، والأضرار البشرية والمادية الكبيرة التي سببتها، فيما واصل الجيش إجراءاته لتعقب المسلحين الفارين وتعزيز انتشاره في باب التبانة. ونفذ علميات دهم واسعة في مناطق خارج المدينة في المنية وجوارها وصولاً الى أحراج عكار وبعض بلداتها حيث أوقف 33 شخصاً من المشتبه بانتمائهم الى الجماعات الإرهابية، وفق بيان لقيادة الجيش، ليرتفع عدد الموقوفين إلى زهاء 195 شخصاً خلال الأيام الماضية. وبينما بدأت أوساط سياسية تتحدث عما بعد المعارك القاسية التي شهدها الشمال لجهة الملاحقة الأمنية لخلايا نائمة وإكمال الجيش عمليات الدهم في مدينة صيدا ومحيطها حيث صادر أسلحة، أو لجهة الاستثمار السياسي للإجماع اللبناني على دعم الجيش، أطلق زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري موقفاً مهماً دعا فيه الى «تحييد المسألة اللبنانية عن المسألة السورية وتعطيل كل خطوط الاشتباك الأمني والعسكري بين المسألتين وإلى توافق وطني واسع وشجاعة في إجراء مراجعة نقدية لتجربة السنوات الأخيرة وقراءة الأخطاء على حقيقتها». (للمزيد) وأعلن رئيس الحكومة تمام سلام من برلين حيث شارك في اجتماعين دوليين دعماً للبنان واقتصاده في مواجهة عبء النازحين السوريين، وللجيش، أنه «كانت عندنا مواجهة كبيرة مع الإرهابيين وتمكنا من حسم الموقف ووضعنا حداً للتطاول على السلطة وتحدي هيبة الدولة مع قوانا الأمنية والجيش الى جانب مواطنين لبنانيين موحدين وتكلل الأمر بالنجاح. ونستمر في هذا الاتجاه لبسط سلطة الدولة...». وفي شأن التهديدات من «داعش» و «النصرة» بقتل مزيد من العسكريين المحتجزين لديهما، علمت «الحياة»، أن التهديد الأخير الذي صدر عن «داعش» بقتل اثنين من العسكريين، إذا لم ينفذ مطلب لها جرى تسليمه الى وزير الصحة وائل أبو فاعور تراجع مساء أمس. وقالت مصادر مطلعة إن المطلب قد يكون تأمين ممر آمن للمسلحين الذين يناصرون «داعش» للهروب الى جرود القلمون فيما لمحت مصادر أخرى الى أنه قد يكون مبلغاً من المال، فيما تكتمت المصادر الرسمية المعنية بالمفاوضات على حقيقة هذا المطلب. لكن مصادر معنية أشارت ليل أمس الى أنه جرى التجاوب مع ما طلبه «داعش» وأن خطر قتل أي من العسكريين تراجع. وكان وصل الى بيروت ليل أول من أمس الوسيط القطري الذي يتولى التفاوض مع الخاطفين. وإذ أجمع عدد من المراجع والمسؤولين على أن الوضع السابق على اندلاع الصدامات في طرابلس انتهى وأن الجيش يعزز تدابيره لاستباق أي تحصّن للمسلحين في مناطق شمالية أخرى، اعتبر الحريري في بيان مطوّل أن «الدعوة الى ثورة سنية في لبنان لا تنتمي الى تطلعات السنّة في شيء وهي تتساوى مع المشاريع المشبوهة لإنهاء الصيغة اللبنانية واستبدال دويلات ناقصة بها». وإذ كرر الحريري انتقاده قرار «حزب الله» الاشتراك في الحرب الطاحنة الى جانب بشار الأسد مذكراً بتحذيره منذ أشهر من استدعاء الحريق السوري الى لبنان، اعتبر «أننا معنيون بنجاح الشعب السوري في حق الانتقال الى نظام مدني ديموقراطي ينهي مرحلة الاستبداد... بمثل ما هو معني بتجنيب لبنان الخراب الذي يحل في بلاده والامتناع عن استخدام لبنان ساحة لتصفية الحسابات مع فلول النظام السوري أو مع الجهات التي تقاتل في سورية». وقال: «إن تحويل لبنان ساحة تتساوى في الخراب مع التخريب القائم في سورية هو من تمنيات النظام السوري، والمجموعات الإرهابية التي تخترق الحدود للانتقام من «حزب الله» في البلدات التي تصيب فيها المدنيين والأبرياء وتؤجج الاحتقان المذهبي». وإذ انطوى بيان الحريري على انتقاد «حزب الله» والمسلحين السوريين المعارضين في الوقت نفسه، دعا الى جملة خطوات أبرزها «المباشرة فوراً بإطلاق مشاورات وطنية للاتفاق على رئيس جديد للجمهورية، وإعداد استراتيجية أمنية متكاملة يتولاها الجيش اللبناني للتعامل مع ارتدادات الحرب السورية على لبنان ومنع أي أعمال عسكرية في الاتجاهين...». وجاء موقف الحريري غداة هجوم شنه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله أول من أمس على المملكة العربية السعودية متهماً إياها بالمسؤولية عن الفكر التكفيري، فيما يواصل رموز في قوى «8 آذار» اتهام تيار «المستقبل» بأنه احتضن المجموعات التي قاتلت الجيش. وصدر عن كتلة «المستقبل» النيابية إثر اجتماعها مساء أمس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة بيان أشار فيه الى التكلفة الباهظة التي تكبدها الجيش والمدنيون الآمنون. وسجلت لأهالي طرابلس والشمال موقفهم الوطني بالتزامهم خيار الدولة والجيش والحكومة. وشددت على أن المسلحين يعيشون حال انفصال عن أهل طرابلس ويفتقدون البيئة الحاضنة المزعومة التي يروج لها إعلام «حزب الله» والنظام السوري. كما حذرت الكتلة من استخدام القوة المفرطة والتوقيف العشوائي. وذكرت أن لبنان بات محل استهداف بسبب تصرفات «حزب الله» غير المتبصرة. كما استنكرت الكتلة كلام السيد نصرالله في حق المملكة العربية السعودية «التي طالما وقفت الى جانب لبنان وظلت داعمة له بشتى الوسائل». واستهجنت الكتلة هذا الموقف الذي يأتي بعد تبرع المملكة بهبات سخية لتسليح الجيش متسائلة عن سر توقيت هذا الهجوم وأهدافه «ما يؤكد إمعان «حزب الله» في مفاقمة مشكلاته ويزيد التأزم والتوتر وانتشار العصبيات». كما دعت الكتلة الحزب الى مراجعة مواقفه من دون مكابرة ووقف تورطه في سورية الى جانب النظام الجائر. وفي برلين التقى سلام وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتانماير، وألقى كلمة لبنان في الاجتماع الخامس لمجموعة الدعم الدولية للبنان، ثم في مؤتمر حضره ممثلو 35 دولة للبحث في مساندة لبنان لمواجهة عبء النازحين السوريين. وألقى سلام كلمة في مؤتمر مجموعة الدعم الذي حضره ممثلو الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أكد فيها أن «حكومتنا غير قادرة على مواجهة تحديات عبء النازحين من دون مساعدات كبيرة وعاجلة». وقال: «نقدر ب 3 بلايين دولار قيمة المساعدة المطلوبة للمجتمعات الأكثر حرماناً... على أن يخصص ثلث هذا المبلغ للبنان والبقية يمكن تأمينها بقرض طويل الأمد تكفله مجموعة دول». ودعا الدول الى البحث عن حل للأزمة السورية عبر المفاوضات والتنازلات من جميع الأطراف. وفي المؤتمر المخصص للنازحين الذي حضره وزراء خارجية الدول التي تستضيف نازحين، طالب سلام بإقامة آمنة لهؤلاء داخل سورية. واعتبر أن قلة من هؤلاء في لبنان مرتبطة بأطراف النزاع السوري وتمثل خطراً جدياً تبدى في المعركة التي خاضها الجيش اللبناني مع «داعش» و «النصرة» في عرسال... وما زال 24 من أبنائه رهائن في أيدي الإرهابيين. وعلمت «الحياة» أن سلام والوفد اللبناني بدوا محبطين من شح المساعدات للبنان.