تسلم الاميرال توم كوبمان قيادة القوات المشتركة في قاعدة غوانتانامو في 19 حزيران (يونيو) الماضي، وهو يعتبر أعلى سلطة على الجزيرة. تخرج في الثانوية العامة في هونولولو (هاواي) وارتاد جامعة كرايتون في الوقت ذاته مع الرئيس باراك أوباما. وتخرج فيها عام 1981 بإجازة في علوم الأحياء. انضم الى المدرسة البحرية في 1982 وتنقل في مناصب قيادية عدة. بدأ كوبمان حديثه بالترحيب بالصحافيين الذين يزورون القاعدة و«التمني أن تغير الزيارة النظرة المسبقة عن المكان». وتابع: «أنا أتابع الصحافة تقريباً كل يوم وأعرف الصورة السلبية الشائعة، لكن هذا الوضع تغير تدريجاً، ولهذا نشجع الإعلاميين والسياسيين على زيارتنا». تسلمت مهامك منذ شهرين فقط. هل هذا إجراء روتيني أم أنه جزء من التغييرات التي ترافق الإدارة الجديدة؟ - انه إجراء روتيني. فغالبية الجنود والحرس يتم ارسالهم لفترة تتراوح بين 6 اشهر و12 شهراً بعد ان يخضعوا لتدريب في واشنطن أو قاعدة فورت ديكس. هناك بعض القادة الذين يبقون فترات أطول وهم هنا منذ سنتين مثلاً. كيف تلقى العاملون هنا القرار الرئاسي بإغلاق المعتقل؟ - كل تركيزنا منصب على إغلاق المعتقل ضمن المهلة التي حددها الرئيس. لا شك في أن هناك خططاً مفصلة لكل خطوة لوجستية علينا القيام بها ونحن ما زلنا لا نعرف متى يغادر آخر سجين، وماذا سنفعل بالمكان والمعدّات وحتى الآليات. لكننا في هذه الأثناء نتابع عملنا ونحافظ على ما تم انجازه. ونحن نعمل مع مكتب التحقيقات الفيديرالي على بعض الامور أيضاً. كيف يؤثر ذلك في مهمات الفرق العسكرية وتوزيعها وإرسالها الى هنا؟ - يجب أن نسأل المسؤولين عن تقسيم العمل. فنحن نعد نحو 2100 شخص، جزء منهم مكلف بعمليات الاعتقال. هؤلاء يجب النظر في المهمات الموكلة اليهم في حال الاغلاق. لكن في النهاية هذه قاعدة عسكرية قبل أن تضم معتقلاً. ونحن نراقب ورديات الجنود عن كثب. لأننا لا نريد أن يتعارض توزيع العمل مع إنجاز مهمة الاغلاق. لذا لدينا خطة واضحة حتى نهاية الخريف المقبل وسنرى ماذا يحدث بعدها والى اين سيؤول هذا المكان. لوجستياً انتم مستعدون للإقفال، لكن ماذا عن المعتقلين؟ - حالياً نحن نتابع البرامج التي لدينا من محو أمية ولغة وبرامج تأهيل للمعتقلين وهناك برامج إضافية يعمل عليها فريق متخصص في واشنطن لإعداد المعتقلين للمرحلة المقبلة. المهلة قاربت على الانتهاء، لكننا خلال الجولة لم نر ما يشير الى الإغلاق. فما هي تلك الاستعدادات؟ - لا شك في أنك تتحدثين عن بعض اعمال البناء والتجهيز أو حتى برامج التدريب... نعم فعلاً كل شيء مستمر ولن يتوقف شيء قبل أن يرحل آخر معتقل. فنحن ملتزمون تجاه المعتقلين والجنود ويجب علينا تأمين قوتهم ورعايتهم الصحية وسلامتهم حتى اللحظة الاخيرة. لن نقف مكتوفي اليدين من الآن ونبذر اموال دافعي الضرائب. يمكننا أن نستريح حالما تنتهي مهمتنا ويرحل المعتقلون. هل فعلاً بدأ العد العكسي؟ - كما قلت بدأنا بما يمكن البدء به لوقف عمليات الاعتقال ضمن المهلة. منذ اقل من اسبوعين قال مستشار الرئيس لشؤون المعتقلات امام الكونغرس إنه لا يمكن ترحيل المعتقلين ال 229 قبل 22 كانون الثاني (يناير) 2010... فهل يثير كلام السياسيين بعض الشكوك لديكم؟ فأنتم تتلقون الاوامر كما قلت، لكن يبدو أن في واشنطن الكثير من التردد. - نعم من دون شك... هناك الكثير من القضايا القانونية والقرارات السياسية التي يجب ان تتوضح. لكن ما يهمني أن معنويات الجنود لم تتغير وإنما معنويات المعتقلين وتصرفاتهم. فهم يشاهدون القنوات الإخبارية ويتابعون الصحف ويلتقون بمحاميهم، وأحياناً يعرفون ماذا يجري أكثر منا. فهذا التردد يؤثر فيهم وبالتالي في ردود افعالهم معنا. في الواقع آخر امر وردنا هو العمل على الإغلاق، وإلى أن نتلقى أمراً مخالفاً سنستمر في أداء مهماتنا. كيف أثر تردد واشنطن في المعتقلين؟ - بعضهم صار أكثر مرونة وتجاوباً مع الاجراءات منذ صدور القرار. لذا هناك ارتفاع كبير في عدد الذين تغير وضعهم من «غير متعاون» الى «متعاون» أو «متجاوب»، وبالتالي نقلوا الى معسكرات حيث تحسن وضعهم المعيشي عما كانوا عليه منذ عام. لاحظنا تقدماً طفيفاً على هذا الصعيد... لكن هناك طبعاً الذين تشنجوا أكثر. ... وفي الجنود؟ - هو فعلاً يؤثر في معنويات الجنود، لكننا في المقابل نطلعهم على كل التطورات ليكونوا على دراية بها. الجميع هنا يتوقع اغلاق المعتقل ضمن المهلة والجميع يعمل لبلوغ هذا الهدف. وعندما يسمعون بما يجري في واشنطن، يبدأون بطرح الاسئلة التي تطرحونها الآن وأجيبهم بالاجابات نفسها. قد اكون كاذباً إذا أنكرت أن لا مسائل عالقة، لكن كل ما يمكنني قوله انه بانتظار اليوم الموعود سنتابع عملنا ونجعل شروط الاعتقال افضل كل يوم كي لا يتعارض ذلك مع مبادئنا. التقينا اليوم المسؤولين عن اللجان العسكرية وبدا أنهم في حال جمود او موت سريري اذا صح التعبير بسب الاوامر المتضاربة. كيف يشعر الاشخاص الذين كانوا يتمتعون بنفوذ وأُوقفت مهامهم فجأة؟ وما تأثير ذلك في الباقين عندما يحين دورهم؟ - صحيح. فالآن لا اللجان العسكرية ولا لجان التحكيم تعمل كالسابق. ولكن لا يمكنني أن اتحدث عن مشاعرهم بدلاً منهم. عموماً انه امر محبط أن تكون في خضم عملك ويأتيك أمر بالتوقف لفترة 6 اشهر. لكن هذا حال الجيش. انه ينفذ الاوامر. فإذا قالوا لنا توقفوا نتوقف. هل تتوقع أي تعديل في مهمتكم في أيلول (سبتمبر) عندما يلتقي الرئيس بالكونغرس؟ - لا استبق الامور والاوامر. حتى الساعة لدي ما يكفيني من التوجيهات. كل هذا النقاش عن مصير المعتقلين ومصير القوات والموازنات... كل ذلك لا يؤثر في سير المهمة. وإذا وجد الرئيس انه يجب إجراء تعديلات بما يتناسب مع القرارات السياسية، عندئذ نعدّل خطتنا. لكنني افضل عدم استباق الامور. كم يستغرق من الوقت نقل كل هؤلاء المعتقلين والفرق العسكرية والإغلاق؟ - ليس الكثير... بضعة ايام فقط. لا أحب اعطاء تفاصيل كيف ومتى. لاحظنا جهداً فعلياً لإظهار غوانتانامو بغير الصورة المعروفة عنه. كيف تعتقد ان العالم سيتذكر هذا المكان بعد إغلاقه؟ - اعتقد أنه عندما يكتب التاريخ ستظهر الحقائق. وللأسف ان الناحية الجيدة والعلاقات الانسانية هي آخر ما سيتم ذكره. لكن الحقيقة ان لا تعذيب في هذا المكان... انها صورة مشوهة ركز عليها الإعلام. وهذا مفهوم. فإذا صدرت الصحيفة بعنوان «لا تعذيب في غوانتانامو»، فلن تباع. نحن نتفهم ذلك والجنود يتفهمونه أيضاً. لكن التحقيقات ستظهر الحقيقة وتبدد السمعة المشوهة. فالجيش الاميركي يطبق معايير انسانية عالية جداً. احب أن اضرب مثلاً بصحيفة اميركية ذائعة الصيت وضعت عنواناً عريضاً عن اساليب الاستجواب التي زعم أن ال «سي أي ايه» استعملها ضد معتقلين في بعض المواقع وأعني أسلوب الإغراق بالماء. وضعت قرب المقال صورة حارس من غوانتانامو بما يشي بأن التقنية استعملت هنا وهو ما لم يحدث بتاتاً. هذا تزوير للحقائق. هنا لم يحدث إغراق بالماء لأي معتقل... وهذه امور كلها موثقة. وكيف ستثبتون للعالم أنه لم يجر تعذيب؟ - هناك أشخاص كثيرون يعرفون الحقيقة ولا سبب لأن نخفيها. فحتى أنا إذا كذبت عليكم يمكنكم أن تلاحقوني قانونياً وتزجّوني في السجن لأن الجيش صارم في هذه الامور. وممن يعرفون الحقيقة، هناك المعتقلون أنفسهم، والطواقم الطبية والحراس وكل من عمل في هذا المكان خلال السنوات الماضية. لكن المشكلة أن المعتقلين يكذبون وهم مدربون على ذلك منذ اليوم الاول لانضمامهم الى معسكرات «طالبان» و «القاعدة». الكذب قانونهم. ويمكنكم أن تتأكدوا من ذلك في «وثيقة مانشستر» وكل الكتيبات الأخرى التي تعلمهم الكذب في حال وقعوا في الاسر. هذا جلّ ما يفعلونه. لماذا إذاً برأيك قال الرئيس اوباما انه «يجب انهاء هذه الفوضى» وأن غوانتانامو أنتج إرهابيين حول العالم أكثر من أي مكان آخر؟ - ليس من صلاحياتي أن اعلق على كلام رئيسي. ولا رأي لي في الموضوع. لكنني بصراحة لا أعتقد أن هذا المكان هو فوضى ولست واثقاً من أن الرئيس استعمل تلك العبارة... هذا مكان محترف وإنساني وقانوني. ربما حدثت في السابق بعض التجاوزات، لهذا بدأ التحسين وبناء منشآت جديدة وتوسيع الفسحات المشتركة ونحن نحاول تحسين شروط الاعتقال يومياً. ما هي الارضية القانونية التي يُقرر مصير المعتقل على اساسها؟ - قال الرئيس إنه سيتم التمييز بين فئات عدة. هناك لجنة عدل خاصة ستتابع الامر في واشنطن مع وزارة العدل ووزارة الدفاع وأجهزة استخبارات وغيرها من الاجهزة. فمن المعتقلين فئة ستمثُل أمام اللجان العسكرية ومنهم من قد يمثُل امام محاكم مدنية... كل بحسب حالته. لا اعرف إذا كان ذلك يجيب عن السؤال. لا في الواقع سأعيد السؤال: ما هو القانون المعتمد في الفصل بين من يذهب الى المحاكمة ومن يحول الى اللجنة العسكرية ومن يفرج عنه ومن ينقل الى سجن آخر، وهل سيتم ذلك من دون محاكمات؟ - لا يمكنني التحديد، فهذا ليس من مهمتنا. أعرف أن اللجان العسكرية تقرر بالملفات التي تحول اليها والمحاكم تقرر بما لديها. لا اعرف الاعداد تحديداً وآلية تحويل كل معتقل. أعتقد أن الرئيس سيوضح هذه الامور قريباً. هل سيتم النظر في كل حالة على حدة؟ وكم سيستغرق ذلك من الوقت؟ - هناك لجنة خاصة في واشنطن تتابع هذا الامر. وأعلنوا منذ فترة قريبة أنهم متأخرون عن المواعيد التي حددوها. الجميع متأخر. فهناك معلومات كثيرة عن كل شخص، وثمة قرارات كبيرة يجب ان تتخذ. لكن لو اتخذت في وقتها فلن يمنعنا شيء من الإغلاق ضمن المهلة. ما النصيحة التي يمكنكم تقديمها لمن سيحل محلكم في هذه المهمة بعد الإغلاق؟ - ليست لدي وصفات سحرية. ما يمكننا أن نفعله هو إمضاء وقت طويل معهم هنا ليشهدوا كيف ندير المكان، لأننا في السنوات الماضية راكمنا خبرة فعلية في ادارة المكان وصرنا نعرف ما يؤتي نتيجة وما لا يؤتي نتيجة. لذا ليس عليهم أن يبدأوا من الصفر. وماذا لو نقلوا الى سجن فيديرالي النظام مختلف كلياً عما هو عليه هنا؟ - لا شك في ان الوضع مختلف بين هذا المكان وأي سجن تقليدي داخل الاراضي الاميركية. وضعنا الآن برامج تأهيل خاصة للافراد على مدى اسبوعين حيث يرافق الحارس الجديد حارساً قديماً ويراقبه ثم يبدأ بالعمل هو فيما الآخر يشرف عليه الى أن يستلم مهامه نهائياً. هل تعتقد ان المفرج عنهم والذين سيتم ترحيلهم الى بلاد أخرى هم فعلاً أشخاص مسالمون ولن يهددوا أمن تلك البلدان؟ - الاشخاص المؤهلون لأن ينقلوا الى بلد آخر هم الذين نظرت واشنطن في ملفاتهم وقررت أنهم مؤهلون لذلك. نحن نقدم المشورة حول المعلومات الاستخبارية والتهديد الذي قد يشكلونه ونقدم تقويماً عنهم من خلال ما نعرفه أثناء فترة وجودهم هنا، لكننا لا نضمن ألا يعود أحد منهم الى نشاطه السابق. نحن يتوقف دورنا عند هذه المرحلة ثم تأخذ وزارة الخارجية على عاتقها مهمة التشاور مع الدول الحليفة وإجراء المفاوضات للبحث عن بلد مضيف. لكن الكونغرس الاميركي صوّت ضد استقبال المعتقلين وتمويل ترحيلهم، وقد يتغير ذلك قريباً. فماذا تقول للسياسيين الذين يضعون التشريعات والمتخوفين من هؤلاء الاشخاص سواء أفرج عنهم أو نقلوا الى سجن حكومي؟ - سأعود الى اجابتي الاولى. لا يمكنني أن أضمن تصرف أي شخص لدى خروجه. لكن بالنسبة الى من قد يُنقل الى سجن داخل الاراضي الاميركية ومدى خطورته فهذا امر آخر. لا أجزم أنهم لا يشكلون خطراً، لكنني اقول ان لدينا القدرة على احتجازهم بالطرق المناسبة وفي سجون ذات حراسة مشددة. هل للجيش أي رأي في المسائل السياسية العالقة كونكم انتم من يدير الدفة على الارض؟ - في الولاياتالمتحدة لا يتعاطى الجيش بالسياسة. نحن نقدم المشورة في أمور تتعلق باختصاصنا إذا سُئلنا عنها فقط. لكن ليست لدينا ثقافة تداخل العسكر بالسياسة. وفي خصوص المعتقل... هل كانت نصيحتكم بوجوب إغلاقه أم الإبقاء عليه؟ - هذا قرار سياسي. وقد اتخذ قبل أن آتي الى هنا. خلال فترة وجودك هنا، هل زاركم سياسيون ومشرّعون؟ - نعم طبعاً. نتلقى زياراتهم دائماً. ما انطباعهم؟ وما اكثر ما يسألون عنه؟ - عموماً يهتمون بكيفية إدارة هذا المكان، لكنهم يركزون على المعلومات الاستخباراتية التي لدينا وما مدى الخطورة التي يشكلها المعتقلون الآن وفي حال الإفراج عنهم وهذه امور لا يمكنني الافصاح عنها. ما الامور التي يطلبون رأيكم فيها؟ - هم طبعاً لا يسألون إذا كان يجب إغلاق هذا المكان أم لا، لكنهم يسألون عن التكاليف. ما كلفة إبقاء المكان وما كلفة اغلاقه وما كلفة نقله الى مكان آخر... إنها أمور ضريبية في شكل عام. أنت الشخص الذي من المفترض أنه سيقفل الباب وراءه في 22 كانون الثاني إذا سار كل شيء على ما يرام. ما شعورك حيال ذلك؟ - لا شك في انه امر حساس خصوصاً مع السمعة السيئة التي أحاطت بهذا المكان منذ افتتاحه. لكنها بالنسبة اليّ ستكون مهمة انتهت بنجاح. هل تظن فعلاً أن المعتقل سيغلق في 22 كانون الثاني؟ - لا يهم ما أظن... المهم أن نلتزم الاوامر. وأثبتت تجاربنا السابقة مثل حرب الخليج الاولى أننا قادرون على تحريك أعداد كبيرة في وقت واحد قياسي. فقد نقلت نصف القوات البحرية ونصف القوات الجوية والقوات الخاصة مع كل المعدّات الى الشرق الاوسط في أقل من 24 ساعة لخوض الحرب. أما هنا فنحن نتحدث عن 229 شخصاً فقط. المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة. «وثيقة مانشستر»: دليل عملي لعناصر «القاعدة» أنت حارس في المعتقل ... تحمّل إذاً عبء سمعته