باتت الثقافة الغذائية ودعم السلع أمر مهم للمجتمعات التي تشهد أسواقها ارتفاع أسعار، وهو لم يعد يقتصر على المجتمعات الفقيرة والمتوسطة بل انسحب على تلك الغنية ومنها الإمارات، التي يصل دخل الفرد فيها إلى نحو 49 ألف دولار سنوياً وهو الأعلى في المنطقة وفي مصاف المستويات العالمية. وأضحت الثقافة في المجتمعات الغنية تتصل أيضاً بالاقتصاد تحديداً بالقوت اليومي للمستهلك في هذه الدول، وفي اتجاه محاربة أنماط من السلوك خصوصاً في رمضان المبارك، إذ يكثر خلاله الطلب على السلع الاستهلاكية والغذائية، وهو يبرز في محال السوبرماركت الضخمة في دول الخليج، في ظاهرة العربات التي يقودها الرجال والنساء وربما عاملات المنازل، وقد حُشرت فيها كل ما لذّ وطاب من المواد الغذائية من دون التفكير في قيمة الفاتورة. ووجد في ذلك أصحاب المحال التجارية والتجار، فرصة لرفع الأسعار من دون مبرر. وفي هذه المرة يكون ارتفاع الأسعار طبيعياً، وربما هو أمر بات عادة كل عام في شهر رمضان. لم تعد ظاهرة ارتفاع الأسعار تمرّ بسهولة، لأن الدوائر الاقتصادية وجمعيات حقوق المستهلك تتعامل مع هذه الظاهرة على غير صعيد، وتدرك الأسباب الكامنة وراء ارتفاع أسعار السلع الغذائية في شهر رمضان. إذ لم يعد التجار المسؤولون الوحيدون عنها، بل يتحمّل المستهلك جزءاً في ذلك، وبات يحتاج إلى ثقافة خاصة للتعامل مع ارتفاع الأسعار. جمعية حقوق المستهلك وأكدت جمعية حقوق المستهلك الإماراتية، أن هذه الحال التي «أضحت تغلف الأسواق وتداعياتها لا يسبّبها التجار فقط، بل يشترك فيها المستهلكون الذين يتبضّعون السلع الغذائية بشراهة، ويقبلون على الأسواق بكثافة». واعتبرت أن «هذه الثقافة الاستهلاكية الخاطئة، دفعت منافذ البيع والتجار إلى استغلال الوضع برفع الأسعار، لعدم اكتراث المستهلكين». ولاحظت أن «أسراً تتبضّع بقيمة تراوح بين ثمانية وعشرة آلاف درهم دفعة واحدة، في حين يمكن تغيير هذا السلوك والاكتفاء بالشراء وفق الحاجة». وطالبت الجمعية المستهلكين، بأن «يساعدوها على كبح جماح ارتفاع الأسعار، باتباع العادات الاستهلاكية السليمة وعدم التدافع لشراء المواد الغذائية بهذه الطريقة، لأن شهر الصوم هو للعبادة وليس للأكل والتسوق». وطلبت دائرة التنمية الاقتصادية في أبو ظبي، من المستهلكين في الإمارة «التخلي عن السلوكيات الاستهلاكية السلبية التي تكثر في شهر رمضان، وتشجع بعض التجار على رفع الأسعار من دون مبررات منطقية». ودعت المستهلكين، إلى ضرورة «إعداد قوائم بالمواد الضرورية قبل الذهاب للشراء، وتجنب الشراء أثناء الصيام لأن الجائع يميل دوماً إلى شراء ما يفوق حاجته الفعلية». ويدرك أصحاب القرار، أن انعكاسات هذه الظاهرة السلبية في أسواق الإمارات «لم تؤثر فقط على جيب المستهلك وموازنته، بل أيضاً على اقتصاد الدولة. إذ كشفت إحصاءات الهيئة الاتحادية للجمارك، عن استيراد الإمارات مواد غذائية لاستهلاكها خلال ثلاثة أشهر تصل كمياتها إلى بليون و200 مليون كيلوغرام، تجاوزت قيمتها 12 بليون درهم». وقال مسؤولو مبيعات في منافذ بيع في الدولة، أن المبيعات في شهر رمضان الماضي «زادت بنسبة 40 في المئة». وشددت وزارة الاقتصاد على أن «لا زيادات في أسعار السلع الغذائية الرئيسة حتى نهاية عام 2013». وأعلن مدير إدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد هاشم النعيمي، أن أسعار السلع الغذائية «ستظل مستقرة حتى نهاية العام». وأوضح أن الوزارة «تدرس حالياً طلبات مورّدين لزيادة أسعار سلع غذائية واستهلاكية، تمهيداً لتقديمها إلى اللجنة العليا لحماية المستهلك»، لافتاً إلى أن نتائج دراسة هذه الطلبات «أظهرت ملاءمة الأسعار، وهي توفر هامش ربح معقولاً مقارنة بكلفتي الإنتاج والاستيراد». وأشار النعيمي، إلى أن الوزارة «تسعى إلى تفعيل الشراكة المجتمعية لمراكز البيع والموردين، من خلال إطلاق مبادرات تثبيت الأسعار وخفضها. كما تعمل من منطلق الشراكة مع منافذ البيع والجهات المحلية المعنية». وقال إن «الوزارة أبلغت إلى منافذ البيع خلال اجتماعات العام الماضي، الإجراءات القانونية التي ستنفذها لمواجهة الممارسات الخاطئة والمضرّة بالمستهلكين». وأكد «توافر مخزون السلع الغذائية في منافذ البيع الكبرى لفترة تراوح بين ثلاثة وستة أشهر على الأقل». وأوضح أن «برنامج مراقبة السلع إلكترونياً الذي أُطلق رسمياً نهاية العام الماضي، أظهر استقرار الأسواق لجهة أسعار السلع أو الكميات المتوافرة. ويراقب البرنامج في المرحلة الأولى 200 سلعة عبر 40 منفذ بيع رئيساً وفروعها المنتشرة في الدولة، عبر عملية ربط إلكتروني مع جهات معنية في الدولة، وتشكل هذه المنافذ مع فروعها أكثر من 80 في المئة من حجم سوق التجزئة في الدولة». ويرتبط البرنامج إلكترونياً بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، بهدف التعرف إلى أسعار السلع عالمياً، كما يوجد ربط مع الهيئة الاتحادية للجمارك للاطلاع على أسعار السلع بالجملة محلياً وربط آخر مع منافذ البيع. وذهبت بلدية أبو ظبي الى أبعد من ذلك، إذ بدأت صرف مخصصات المواد الغذائية المدعومة للمواطنين عن تموز (يوليو) في إطار استعداداتها لاستقبال شهر رمضان المبارك. استعدادات سابقة ولفت مسؤول مراكز توزيع المواد الغذائية في بلدية ابو ظبي سيف يحيى الرميثي، إلى أن «الاستعدادات لشهر رمضان هذه السنة، بدأت مبكراً للإيفاء بحاجات المواطنين، وبأعلى معايير الجودة». وأعلن أن البلدية «أطلقت مبادرة لخفض أسعار بعض السلع الغذائية خلال شهر رمضان بالتعاون مع شركات مورّدة للمواد الغذائية، كما دُمجت مخصصات حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، لتسهيل عملية الشراء خلال هذه الفترة حتى لا يضطر المواطن إلى المراجعة خلال فترة الصيام». وأكدت جمعية الإمارات لحماية المستهلك، «استمرار ارتفاع الأسعار في معظم منافذ البيع في الدولة قبيل شهر رمضان المبارك»، مشيرة إلى أن «ذروتها في المنطقة الشرقية، حيث تجاوز سقف ال 150 في المئة لبعض السلع الغذائية». وأوضحت العضو في مجلس الجمعية راية المحرزي، أن غالبية التجار «عمدوا إلى رفع أسعار السلع الغذائية من دون مبرر». ورصدت زيادة في أسعار مواد غذائية أساسية، معتبرة أن «الإجراءات المتخذة من جانب الجهات المعنية التي تتابع مدى التزام منافذ البيع التعليمات وفي مقدمها وزارة الاقتصاد غير رادعة، لأنها تقتصر في أحيان كثيرة على الغرامات المالية ويمكن هذه المنافذ دفعها». وطالبت بضرورة «رفع سقف الإجراءات المتخذة بحق المتلاعبين بالأسعار لتصل العقوبة إلى الإغلاق، حتى لا يُترك لهم المجال للمضي في المخالفات، بعدما تبين أن الغرامات لم تعد كافية».