بدا أمس أن العملية السياسية في مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي لن تمر بيسر، فمع أول اختبار وقف حزب النور «السلفي» حائلاً أمام تولي منسق «جبهة الإنقاذ الوطني» محمد البرادعي رئاسة الحكومة، رغم أنه حظي بدعم من القوى المعارضة والثورية التي لعبت دوراً رئيساً في التظاهرات التي سبقت عزل مرسي إضافة إلى حزب «مصر القوية» الذي يقوده القيادي السابق في «الإخوان المسلمين» عبدالمنعم أبو الفتوح. وفي حين دعت الرئاسة الموقتة جماعة «الإخوان» إلى الانخراط في الاستحقاقات التشريعية والرئاسية التي ستجرى خلال المرحلة المقبلة، بدا أن الجماعة لا تزال تراهن على الضغط الدولي لقلب الطاولة على الجميع. وساد الارتباك الأروقة الرسمية مساء أول من أمس، فبعدما أعلنت الوكالة الرسمية تكليف البرادعي برئاسة الحكومة وأنه سيؤدي اليمين خلال ساعات خرج حزب «النور» ليعلن رفضه مهدداً بالانسحاب من العملية السياسية، ما دفع الناطق باسم الرئاسة أحمد المسلماني إلى الظهور في مؤتمر صحافي ليلاً لينفي تكليف المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية رئاسة الحكومة، مشيراً إلى أن «هناك ترشيحات عدة تبحث في الأروقة». لكنه أقر ضمناً بضغوط يمارسها «النور» لاستبعاد البرادعي من الترشيحات، قائلاً: «هناك ضغوط عدة ونسعى إلى توافق عام، ونرى أن من الضروري عدم التعجل في اختيار رئيس للحكومة من دون دراسة الأمر بعناية». وتردد أن «النور» طرح اسم عبدالمنعم أبو الفتوح لقيادة الحكومة الانتقالية، لكن حزب «مصر القوية» الذي يقوده أبو الفتوح أكد أن الأخير يرفض الانخراط في أي عمل تنفيذي في هذه المرحلة. وأشار الناطق باسم حركة «تمرد» محمود بدر إلى أن حركته «طرحت اسم البرادعي رئيساً للوزراء وفوجئت بالتراجع الذي حدث». وشدد على أن تمرد «ترفض رفضاً قاطعاً اختيار اسم بديل، وعلى رئاسة الجمهورية العودة إلينا مرة أخرى قبل تغيير اسم رئيس الوزراء. ولو تم اختيار بديل من دون الرجوع إلينا فلن نعترف به ولن نتعامل معه». وعلى النهج نفسه سارت «حركة 6 أبريل» التي أكدت ضرورة قيادة البرادعي للحكومة في الفترة الانتقالية الحالية. واعتبرت أن «وجود البرادعي في المشهد الحالي هو الضامن لعدم تكرار أخطاء المرحلة الانتقالية السابقة». لكن الأمين العام المساعد لحزب «النور» شعبان عبدالعليم اعتبر ان اختيار البرادعي رئيساً للوزراء «يزيد احتقان الإسلاميين ويعزز من انقسام الشارع ويشكك في نزاهة أي انتخابات ستجرى في المرحلة الانتقالية». وقال إن «احترامنا لشخص البرادعي لا يجب أن ينسينا أن مطالبنا كقوة سياسية قبل 30 يونيو كانت منصبة على اختيار حكومة محايدة ليس لها توجه سياسي تجرى في ظلها الانتخابات لضمان نزاهتها، وبنفس المنطق نرفض تولي البرادعي رئاسة الوزراء، ليس تشكيكاً في شخصه بل من باب سد الذرائع وضمان الانتقال بسلاسة وفي أسرع وقت ممكن». وأشار نائب رئيس «النور» بسام الزرقا إلى أن الإصرار على اختيار البرادعي «يمكن أن يؤدي إلى انسحاب حزب النور من الحياة السياسية في هذه المرحلة». وشدد القيادي في «جبهة الإنقاذ» عمرو موسي ل «الحياة» على ضرورة العمل «للتوصل إلى توافق آراء من دون نزاع أو صدام». وقال: «نرحب في شدة بترشيح البرادعي لكننا أيضاً طرحنا تشكيل وزارة من التكنوقراط يترأسها خبير اقتصادي»، مشدداً على أن «التوصل الي توافق في الآراء هو الكلمة السحرية للمرور من المأزق الذي نعيشه». وكان الناطق باسم الرئاسة أكد في مؤتمر صحافي عقد في ساعة متقدمة من مساء أول من أمس أن الرئيس الموقت عدلي منصور لم يكلف البرادعي أو غيره تشكيل الحكومة الجديدة، مشيراً إلى وجود «خيارات عدة مطروحة لاسم رئيس الحكومة ومن المنطقي أن تدعم القوى الثورية اختيار البرادعي، لكننا نضع في الاعتبار وجود قوى معارضة وأن تكون هناك أوجه اعتراض مختلفة على اسم رئيس الحكومة». لكنه أضاف: «في مثل هذه الظروف من الصعب إيجاد اسم محل إجماع سياسي، لكننا نعمل في هذه المرحلة وفق ما هو ممكن، واختيار رئيس الوزراء الجديد سيتم على أساس الكفاءة لتشكيل حكومة وطنية، ومن المتوقع أن يتقلص بعض الحقائب في هذه الحكومة». وتعهد «أن تتسع المرحلة الانتقالية للجميع من دون إقصاء لأي تيار سياسي والتسامح مع الجميع طالما لا يوجد ما يستوجب المحاسبة. وبرر اعتقال بعض قيادات «الإخوان» بأن «هؤلاء عليهم مخالفات واتهامات تتعامل معها أجهزة العدالة حالياً، وليس اعتقالهم لرأي سياسي. ومن يروجون أن الوطن بعد 30 حزيران (يونيو) سيشهد انتكاسة في الحريات وشن حملة اعتقالات فهم يروجون أكاذيب»، مشدداً على أن «الدولة ليست في خصومة مع أي تيار ولكنها في خصومة مع من يرفع السلاح ويحاول كسر الدولة، والرئاسة تمد يدها إلى الجميع وإلى جماعة الإخوان لأنها تعتبر جزءاً من الوطن». ورأى أن «الإخوان لديهم فرص كبيرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، والدولة منفتحة وتقف على مسافة واحدة من الجميع». ورفض وصف ما حدث في مصر بأنه «انقلاب»، وقال إن «ما حدث ثورة شعبية أيدها الجيش وقام بدوره الوطني مثلما انحاز إلى ثورة 25 يناير، ولو ترك الجيش الشارع لدخلنا في نفق مظلم وحرب أهلية». في المقابل، حذرت جماعة «الإخوان» الحكومات الغربية من دعم تدخل الجيش لعزل مرسي. وقال القيادي في الجماعة محمد البلتاجي في مقابلة مع وكالة «رويترز» إن «الجميع سيخسر بما في ذلك الغرب بسبب العنف الذي قد ينجم عن عزل مرسي أول رئيس مصري منتخب في انتخابات حرة والذي أمضى عاماً واحداً فقط من مدة رئاسته... نحن نستشعر أن المجتمع الدولي يتدخل بشكل ما اعترافاً ومساندة ودعماً لهذا الانقلاب العسكري، لكن هذا يجعل شعوب المنطقة تعيد مرة ثانية النظر إلى أميركا وأوروبا على أنها داعمة للاستبداد وللقمع وأنها تقف ضد مصلحة الشعوب وهذا يعيد مرة ثانية حالة الكراهية للشعوب الأوروبية والأميركية التي تقف أنظمتها دائماً مع الأنظمة المستبدة». وأضاف أن «جماعة الإخوان لم ولن تلجأ إلى العنف إلا أن عزل مرسي ينطوي على مخاطرة من أن يلجأ إسلاميون آخرون إلى استخدام القوة. عندما يرون أن التجربة الديموقراطية سحقت خلال عام وأن المؤسسات ليست ذات قيمة فقد يدفع ذلك آخرين إلى اليأس ثم العنف، والجميع سيخسر بما في ذلك القوى الغربية». وكان مرشد «الإخوان» محمد بديع قال عبر حسابه على موقع «فايسبوك» إن «قادة الانقلاب غير الدستوري يواصلون الانتهاكات الصارخة ضد الشعب المصري الذي أعلن رفضه وبصورة حضارية لا مثيل لها للانقلاب على الشرعية الممثلة في المؤسسات التي تم بناؤها خلال عام، وانتهاءً باستمرار احتجاز الرئيس الشرعي للبلاد الدكتور محمد مرسي». وشدد على أن «مرسي هو رئيس كل المصريين»، داعياً إلى «الاحتشاد في كل ميادين مصر ليس دفاعاً عن شخص وإن كان الشخص غالياً عندنا، وأرواحنا فداء مرسي وسنحضره على أكتافنا، ولكن دفاعاً عن الوطن».