بعد ليلة دامية شهدت اشتباكات بين انصار جماعة «الإخوان المسلمين» ومعارضيهم سقط خلالها عشرات القتلى ومئات الجرحى، سعى الحكم الجديد في مصر إلى ترسيخ دعائمه، وإرسال رسائل إلى الداخل والخارج. إذ عقد الرئيس الموقت عدلي منصور سلسلة من اللقاءات الماراثونية لترتيب القصر الرئاسي، وأوراق المرحلة الانتقالية، أعلن بعدها تكليف المنسق العام لجبهة الإنقاذ الوطني محمد البرادعي برئاسة الحكومة. وفيما يحتشد المصريون اليوم في الميادين لترسيخ «شرعية الشعب»، شددت السلطات المصرية من قبضتها على جماعة «الإخوان»، فيما بدا ردا على اشتعال المواجهات في الشارع. فاعتقل نائب المرشد خيرت الشاطر، والمحامي السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل الذي أطلق أنصاره في الشارع لمعارضة عزل الرئيس السابق محمد مرسي، قبل أن توجه إليهما النيابة تهمة «التحريض على القتل»، وأطلقت محكمة قاهرية سراح الناشط السياسي أحمد دومة أبرز الذين عارضوا مرسي، ووعد الرئيس الموقت بإطلاق سراح نشطاء سجنوا في عهد «الإخوان». ومن المفترض أن يكون البرادعي، الحائز على جائزة نوبل للسلام العام 2005، ويصفه النشطاء في مصر ب»أيقونة الثورة»، أدى اليمين القانونية مساء أمس أمام الرئيس عدلي منصور، ليبدأ على الفور في مشاورات تشكيل حكومته، التي حصلت على صلاحيات واسعة لاسيما في إدارة الشأن الداخلي. وكان الرئيس الموقت المستشار عدلي منصور بدأ صباح أمس ممارسة نشاطه من داخل قصر الاتحادية الرئاسي، فعقد سلسلة من اللقاءات لترتيب الأوراق على ما يظهر، إذ التقى وزيري الدفاع عبدالفتاح السيسي والداخلية محمد إبراهيم، قبل أن يعقد اجتماعا مع قانونيين، بعدها اجتمع مع مجموعة من شباب حركة «تمرد»، قبل أن يلحقوا باجتماع آخر ضم سياسيين في مقدمهم البرادعي، ورئيس حزب «مصر القوية» عبدالمنعم أبو الفتوح، والأمين العام لحزب النور السلفي جلال مرة، إضافة إلى الكاتبة سكينة فؤاد، وحضر الاجتماع أيضاً مستشار الرئيس للشؤون السياسية مصطفى حجازي ومستشار وزير الدفاع للشؤون القانون اللواء ممدوح شاهين، والمستشار حامد عبدالله، رئيس محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى، فيما أعلن حزب الحرية والعدالة رفضه الانخراط في دعوة الحوار، مشيرا إلى أنه لا يعترف بما وصفه بالانقلاب العسكري، وأن الرئيس الشرعي لمصر هو محمد مرسي. أوضح المتحدث باسم «تمرد» محمود بدر أن الاجتماع مع منصور، تطرق إلى بحث ترتيبات المرحلة الانتقالية، إذ تم التوافق على ترشيح الدكتور محمد البرادعي رئيسا للحكومة، لكن ممثل حزب النور لم يبد رأيه في الأمر طالبا مهلة للتدارس وتقرير موقفه النهائي، مشيرا ل»الحياة» إلى أن «تمرد» طرحت اسم الدكتور أحمد السيد النجار وزيرا للمالية أو الاقتصاد، وطرحت اسمي الناشطين السياسيين خالد تليمة ومنى سليم لوزارة الشباب، كما اقترحنا رئيس المصرف المركزي المصري هشام رامز لتولي منصب مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية، على أن يرشح حزب النور السلفي مستشارا للرئيس للتواصل المجتمعي، وأوضح بدر أنه تم الاتفاق مع الرئيس الموقت على ضرورة تشكيل لجنة لتعديل المواد الخلافية في الدستور قبل الشروع في إجراء انتخابات برلمانية والرئاسية. وبدا من اختيار البرادعي لرئاسة الحكومة انه يعول عليه، بما له من علاقات دولية واسعة، في زيادة الزخم المؤيد خارجيا للثورة المصرية. وسينعكس بالتأكيد تعيين البرادعي الذي أدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية 12 عاما، على احتشاد الميادين اليوم بالمؤيدين لعزل الرئيس مرسي الذين تبنوا ترشيحه بالأساس، ضمن ما سموه مليونية «الشرعية للشعب». في المقابل سيستشيط غضب جماعة «الإخوان» وحلفائها الذين دعوا أيضاً مناصريهم إلى الاحتشاد في الميادين للدفاع عن «شرعية مرسي»، والذين عارضوا بقوة رئاسة البرادعي للحكومة خلال فترة حكم المجلس العسكري السابق. وكان أنصار مرسي، هاجموا معارضيهم في ميدان التحرير والإسكندرية ومحافظات عدة، ما ادى الى سقوط عشرات القتلى في «ليلة دامية» عاشتها مصر كانت سمتها «حرب الشوارع»، تخللها مشاهد «مروعة» للقتل بدم بارد وتبادل إطلاق النيران بين الفرقاء، في وقت أعلنت الشرطة أنها ألقت القبض على عشرات من أنصار الرئيس المعزول خلال تلك الاشتباكات. وكان مرشد «الإخوان» الدكتور محمد بديع ألقى كلمة وسط عشرات الآلاف من أنصار مرسي في ميدان «رابعة العدوية» ليل اول من امس أكد فيها أن «عودة مرسي إلى الحكم دونها دماؤنا»، بعدها انطلقت شرارة العنف في مختلف المحافظات. وتحركت حشود من جماعة «الإخوان» كانت ترابض في ميدان «النهضة» في الجيزة صوب ميدان التحرير في محاولة لطرد المتظاهرين منه، لكن مئات المعتصمين فيه تصدوا لهذا الهجوم الذي أعاد إلى الأذهان «موقعة الجمل»، حين هاجم أنصار الرئيس المخلوع حسني مبارك الثوار في ميدان التحرير أبان ثورة 25 يناير. وتحول محيط ميدان التحرير خصوصا ميدان عبد المنعم رياض ليلا إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين أنصار مرسي ومعارضيه، سمتها الكر والفر، واستخدمت فيها أسلحة نارية بيضاء، وأسفرت المواجهات عن سقوط 14 قتيلا، حسب إحصاءات وزارة الصحة، وأكثر من 500 مصاب، حالات بعضهم خطيرة، فيما ألقت قوات الأمن القبض على عشرات من أنصار مرسي. وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر تبادل الحشود إطلاق النيران وحرق سيارات أعلى جسر أكتوبر قرب ميدان التحرير. كما اظهرت مقاطع اخرى انصار «الاخوان» يلقون خصومهم من على احد الاسطح. ودعت حملة «تمرد» و»تنسيقية 30 يونيو» وأحزاب وحركات ثورية عدة إلى حشد مليوني في ميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية الرئاسي وفي مختلف المحافظات اليوم، للرد على حشد «الإخوان» في ميدان «رابعة العدوية» في حي مدينة نصر. كما دعا «التحالف الوطني لدعم الشرعية» المؤيد للرئيس المعزول إلى المشاركة في تظاهرات «حاشدة» في ميادين رابعة العدوية ونهضة مصر وأمام دار الحرس الجمهوري بعنوان «مليونية استعادة الثورة»، الأمر الذي ينذر بتجدد المواجهات. وكان شيخ الأزهر أحمد الطيب، دعا في كلمة وجهها مساء أول من أمس إلى المصريين، إلى أن يحافظوا على طهارة أياديهم من التلوث أو الهدم أو التخريب، محذرا من فتنة ستجر البلاد إلى هاوية خطيرة، ووجه شيخ الأزهر كلمته إلى المصريين قائلاً: «أحذركم من فتنة مهلكة، تذهب بوحدتكم»، مشددا على أن الدين والوطنية براء من أي دم يسفك، وقال: اعلموا أن الدنيا لا تساوي قطرة دم واحدة تسيل، وأرجو أن يجد الشعب المصري مخرجاً سريعاً من هذه الفتنة القبيحة التي تحاول أن تطل برأسها على البلاد والعباد». وافادت وكالة «رويترز» أمس ان الشيخ يوسف القرضاوي اصدر فتوى تقول انه يجب على المصريين مساندة مرسي.