نداء يُخالط بشاشة القلوب ويبعث الحياة في النفوس من جديد... أُيها القلب تهيأ، فما هي إلا أيام قلائل حتى تكتمل دورة الفلك، ويشرف على الدنيا هلال رمضان المبارك الذي تهفو إليه نفوس المؤمنين وتتطلع شوقاً لبلوغه «يا أغلى ضيف». مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام قد لقيناك بِحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام فاقبل اللهم ربي صومنا ثم زدنا من عطاياك الجسام نداء يجمع القلوب بعروة وثقى وحبل متين... نداء لواحة الخير الغنَّاء، ولظلال وارفة من العمل الدؤوب وابتغاء الأجر والمثوبة. يقول الحبيب «صلى الله عليه وسلم»: «ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بيْنا القمر مُضيء إذ علت عليه سحابة فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء». لقد آن الأوان أن نقف على أعتاب عمر جديد، ونبحث عن مواسم أكثر خصوبة، ونعطر بالأمل أيام هذا الشهر المبارك «رمضان يا أغلى ضيف»... وكما قيل: لا تحاول أن تُعيد حساب الأمس وما خسرته فيه، فالشجر حين تسقط أوراقه فلن تعود مرةً أُخرى، ولكن مع كل ربيع جديد سوف تنبت أوراق أُخرى، فانظر إلى تلك الأوراق التي تُغطي وجه السماء ولتتعلم منها، ولننطلق من جديد مع إشراقة كل فجر جديد من هذا الشهر المبارك، إنها فُرصة يومية لنعمل ما نُريد عملاً صحيحاً في هذا الموسم العظيم شهر الخيرات والبركات... لنبقى في صعود ونستمد يا رب منك العون، ولا حول ولا قوة إلا بك. انظر إلى شجرة «البامبو» التي تُزرع في آسيا، فهي شجرة عجيبة، تظل جذورها تحت الأرض لمدة خمسة أعوام تحتاج لري ورعاية، ثم تنمو بسرعة إلى أعلى... عمِّق جذورك وقويها بقوة الإيمان تقودك إلى قوة الأخذ بعزائم الشريعة والثبات على أحكام الملة وتحمل الابتلاءات والمحن والصبر على ذلك حتى يأتي فرجُ الله تعالى، يقول الله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذ الْكِتَابَ بِقُوَّةِ)، ففعل الطاعة في وقتها مع المشقة سماه «عليه الصلاة والسلام» قوة، لأن من أتى بها مع المشقة قد حمله إيمانه القوي على تحمل المشقة في سبيلها، قال عليه الصلاة والسلام لأبي بكر رضي الله عنه: «أيَّ حين توتر؟ قال: أول الليل، بعد العتمة، قال: فأنت يا عمر؟ فقال: آخر الليل، فقال عليه الصلاة والسلام: فأنت يا أبا بكر فأخذت بالوثقى، وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة»، رواه أحمد وابن ماجه. الصيام يبني القوة، ويجمع بين تقوية القلوب وتقوية الأجساد، أما الأجساد فيُدفع عنها بالصيام الكثير من العلل والأدواء بتخليتها من زوائد الأطعمة التي أعتادت عليها طوال العام، وأما تقوية القلوب فمن وجوه كثيرة، فالصبر الاختياري على ملذات النفس وأهوائها أكثر فائدة للنفس، والصبر على الشدائد قوةٌ معنوية ينالها أهل الصيام، حقاً لقد جاء الإسلام بما يقوي الإرادة، ويشحذ العزيمة، ويُعلي من الهمة. فيا أيُها القلب تهيأ... فأمامك في الأيام المقبلة موسم عظيم لا ينقصه إلا حضور قلبك بين يدي ربك، ويكفيك أيها القلب شرفاً ومنزلة ورتبة ورفعة أنك محلُّ نظر الرب وموطن رضا الخالق عز وجل. ولتزداد فترات المكث مع القرآن العظيم تلاوة وتدبراً، فما من لقاء يتم بين القلب والقرآن إلا والإيمان يزداد ويقوى والطاقة تتولد... لتخرج بعلم جديد، وإيمان جديد، وإشراق جديد، وقوة جديدة. (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) الآية. [email protected]